Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 38-38)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ثُمَّ أَنتُمْ هَـٰؤُلاء } أي أنتم أيها المخاطبون هؤلاء الموصوفون بما تضمنه قوله تعالى : { إِن يَسْأَلْكُمُوهَا } [ محمد : 37 ] الخ ، والجملة مبتدأ وخبر وكررت ( ها ) التنبيهية للتأكيد ، وقوله سبحانه : { تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الخ استئناف مقرر ومؤكد لذلك لاتحاد محصل معناهما ، فإن دعوتهم للإنفاق هو سؤل الأموال منهم وبخل ناس منهم هو معنى عدم الإعطاء المذكور مجملاً أولاً ، أو صلة لهؤلاء على أنه بمعنى الذين فإن اسم الإشارة يكون موصولاً مطلقاً عند الكوفيين وأما البصريون فلم يثبتوا اسم الإشارة موصولاً إلا إذا تقدمه ( ما ) الاستفهامية باتفاق أو ( من ) الاستفهامية باختلاف ، والإنفاق في سبيل الله تعالى هو الإنفاق المرضي له تعالى شأنه مطلقاً فيشمل النفقة للعيال والأقارب والغزو وإطعام الضيوف والزكاة وغير ذلك وليس مخصوصاً بالإنفاق للغزو أو بالزكاة كما قيل . { فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ } أي ناس يبخلون { وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } فلا يتعدى ضرر بخله إلى غيرها يقال : بخلت عليه وبخلت عنه لأن البخل فيه معنى المنع ومعنى التضييق على من منع عنه المعروف والإضرار فناسب أن يعدى بعن للأول وبعلى للثاني ، وظاهر أن من منع المعروف عن نفسه فإضراره عليها فلا فرق بين اللفظين في الحاصل ، وقال الطيبـي : يمكن أن يقال يبخل عن نفسه على معنى يصدر البخل عن نفسه لأنها مكان البخل ومنبعه كقوله تعالى : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } [ الحشر : 9 ] وهو كما ترى . { وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ } لا غيره عز وجل { وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء } الكاملون في الفقر فما يأمركم به سبحانه فهو لاحتياجكم إلى ما فيه من المنافع التي لا تقتضي الحكمة إيصالها بدون ذلك فإن امتثلتم فلكم وإن توليتم فعليكم . وقوله تعالى : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } عطف على قوله سبحانه : { إِن تُؤْمِنُواْ } أي وإن تعرضوا عن الإيمان والتقوى { يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } يخلق مكانكم قوماً آخرين وهو كقوله تعالى : { وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } [ فاطر : 16 ] { ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم } في التولي عن الإيمان والتقوى بل يكونون راغبين فيهما . و ( ثم ) للتراخي حقيقة أو لبعد المرتبة عما قبل . والمراد بهؤلاء القوم أهل فارس ، فقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبـي حاتم والطبراني في « الأوسط » والبيهقي في « الدلائل » والترمذي وهو حديث صحيح على شرط مسلم عن أبـي هريرة قال : " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } الخ فقالوا : يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونون أمثالنا ؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان ثم قال : هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس " وجاء في رواية ابن مردويه عن جابر : الدين بدل الإيمان ، وقيل : هم الأنصار ، وقيل : أهل اليمن ، وقيل : كندة والنخع ، وقيل : العجم ، وقيل : الروم ، وقيل : الملائكة وحمل القوم عليهم بعيد في الاستعمال ، وحيث صح الحديث فهو مذهبـي . والخطاب لقريش أو لأهل المدينة قولان والظاهر أنه للمخاطبين قبل ، والشرطية غير واقعة ، فعن الكلبـي شرط في الاستبدال توليهم لكنهم لم يتولوا فلم يستبدل سبحانه قوماً غيرهم والله تعالى أعلم . ومما قاله بعض أرباب الإشارة في بعض الآيات : { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [ محمد : 7 ] نصرة الله تعالى من العبد على وجهين صورة ومعنى ، أما نصرته تعالى في الصورة فنصرة دينه جل شأنه بإيضاح الدليل وتبيينه وشرح فرائضه وسننه وإظهار معانيه وأسراره وحقائقه ثم بالجهاد عليه وإعلاء كلمته وقمع أعدائه ، وأما نصرته في المعنى فبإفناء الناسوت / في اللاهوت ، ونصرة الله سبحانه للعبد على وجهين أيضاً صورة ومعنى ، أما نصرته تعالى للعبد في الصورة فبإرسال الرسل وإنزال الكتب وإظهار المعجزات والآيات وتبيين السبل إلى النعيم والجحيم ، ثم بالأمر بالجهاد الأصغر والأكبر وتوفيق السعي فيهما طلباً لرضاه عز وجل ، وأما نصرته تعالى له في المعنى فبإفناء وجوده في وجوده سبحانه بتجلي صفات جماله وجلاله { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } يشير إلى جنة قلوب أرباب الحقائق الذين اتقوا عما سواه جل وعلا { فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ } هو ماء الحياة الروحانية لم يتغير بطول المكث { وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ } وهو العلم الحقاني الذي هو غذاء الأرواح أو لبن الفطرة التي فطر الناس عليها { لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } بحموضة الشكوك والأوهام أو الأهواء والبدع { وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لّلشَّـٰرِبِينَ } وهي خمر الشوق والمحبة : @ يقولون لي صفها فأنت بوصفها خبير أجل عندي بأوصافها علم صفاء ولا ماء ولطف ولا هوى ونور ولا نار وروح ولا جسم @@ { وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ عَسَلٍ } وهو عسل الوصال { مُّصَفّىً } عن كدر الملال وخوف الزوال { وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ } اللذائذ الروحانية { وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ } ستر لذنب وجودهم كما قيل : @ وجودك ذنب لا يقاس به ذنب @@ { كَمَنْ هُوَ خَـٰلِدٌ فِي ٱلنَّارِ } نار الجفاء { وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً } وهو ماء الخذلان { فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ } [ محمد : 15 ] من الحرمان { ولو نشاء لأَرَيْنَـٰكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَـٰهُمْ } [ محمد : 30 ] وهي ظلمة في وجوههم تدرك بالنظر الإلهي قيل : المؤمن ينظر بنور الفراسة والعارف بنور التحقيق والنبـي عليه الصلاة والسلام ينظر بالله عز وجل ، وقيل : كل من رزق قرب النوافل ينظر به تعالى لحديث " لا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به " الحديث وحينئذ يبصر كل شيء ، ومن هنا كان بعض الأولياء الكاملين يرى على ما حكي عنه أعمال العباد حين يعرج بها وسبحان السميع البصير اللطيف الخبير .