Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 20-20)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإذْ قَالَ مُوسَىٰ لقَوْمه } جملة مستأنفة مسوقة لبيان ما فعلت بنو إسرائيل بعد أخذ الميثاق منهم ، وتفصيل كيفية نقضهم له مع الإشارة إلى انتفاء فترة الرسل عليهم الصلاة والسلام فيما بينهم ؛ و { إذ } نصب على أنه / مفعول لفعل محذوف خوطب به سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم بطريق تلوين الخطاب وصرفه عن أهل الكتاب ليعدد عليهم ما سلف من بعضهم من الجنايات ، أي واذكر لهم يا محمد وقت قول موسى عليه السلام [ لقومه ] ناصحاً ومستميلاً لهم بإضافتهم إليه { يَـٰقَوْم ٱذْكُرُواْ نَعْمَةَ ٱلله عَلَيْكُمْ } وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت أبلغ من توجيهه إلى ما وقع فيه ، وإن كان هو المقصود بالذات كما مرت الإشارة إليه ، و { عليكم } متعلق إما بالنعمة إن جعلت مصدراً ، وإما بمحذوف وقع حالاً منها إذا جعلت اسماً أي اذكروا إنعامه عليكم بالشكر ، واذكروا نعمته كائنة عليكم ، وكذا { إذ } في قوله تعالى : { إذْ جَعَلَ فيكُمْ أنبيَاءَ } متعلقة بما تعلق به الجار والمجرور أي اذكروا إنعامه عليكم في وقت جعله ، أو اذكروا نعمته تعالى كائنة عليكم في وقت جعله فيما بينكم من أقربائكم أنبياء ، وصيغة الكثرة على حقيقتها كما هو الظاهر ، والمراد بهم موسى وهارون ويوسف وسائر أولاد يعقوب على القول بأنهم كانوا أنبياء ، أو الأولون ، والسبعون الذين اختارهم موسى لميقات ربه ، فقد قال ابن السائب ومقاتل : إنهم كانوا أنبياء . وقال الماوردي وغيره : المراد بهم الأنبياء الذين أرسلوا من بعد في بني إسرائيل ؛ والفعل الماضي مصروف عن حقيقته ، وقيل : المراد بهم من تقدم ومن تأخر ولم يبعث من أمة من الأمم ما بعث من بني إسرائيل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } عطف على { جعل فيكم } وغير الأسلوب فيه لأنه لكثرة الملوك فيهم أو منهم صاروا كلهم كأنهم ملوك لسلوكهم مسلكهم في السعة والترفه ، فلذا تجوز في إسناد الملك إلى الجميع بخلاف النبوة فإنها وإن كثرت لا يسلك أحد مسلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنها أمر إلٰهي يخص الله تعالى به من يشاء ، فلذا لم يتجوز في إسنادها ، وقيل : لا مجاز في الإسناد ، وإنما هو في لفظ الملوك فإن القول كانوا مملوكين في أيدي القبط فأنقذهم الله تعالى ، فسمى ذلك الإنقاذ ملكاً ، وقيل : لا مجاز أصلاً بل جعلوا كلهم ملوكاً على الحقيقة ، والملك من كان له بيت وخادم كما جاء عن زيد بن أسلم مرفوعاً . وأخرج ابن أبـي حاتم عن أبـي سعيد الخدري قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كانت بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة كتب ملكاً " وأخرج ابن جرير عن الحسن هل الملك إلا مركب وخادم ودار ، وأخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو أنه سأله رجل فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ فقال عبد الله : ألك زوجة تأوي إليها ؟ قال ؛ نعم ، قال : ألك مسكن تسكنه ؟ قال : نعم ، قال : فأنت من الأغنياء ، قال : فإن لي خادماً ، قال : فأنت من الملوك ، وقيل : الملك من له مسكن واسع فيه ماء جار ، وقيل : من له مال لا يحتاج معه إلى تكلف الأعمال وتحمل المشاق ، وإليه ذهب أبو علي الجبائي ، وأنت تعلم أن الظاهر هنا القول بالمجاز وما ذكر في معرض الاستدلال محتمل له أيضاً . { وَءَاتَـٰكُم مَّا لَمْ يُؤْت أَحَداً مِّنَ ٱلْعَـٰلَمينَ } من فلق البحر وإغراق العدو وتظليل الغمام وانفجار الحجر وإنزال المنّ والسلوى وغير ذلك مما آتاهم الله تعالى من الأمور المخصوصة ، والخطاب لقوم موسى عليه السلام كما هو الظاهر ، وأل في { العالمين } للعهد ، والمراد عالمي زمانهم ، أو للاستغراق ، والتفضيل من وجه لا يستلزم التفضيل من جميع الوجوه ، فإنه قد يكون للمفضول ما ليس للفاضل ، وعلى التقديرين لا يلزم تفضيلهم على هذه الأمة المحمدية على نبيها أفضل الصلاة وأكمل التحية ، وإيتاء ما لم يؤت أحد وإن لم يلزم منه التفضيل لكن المتبادر من استعماله ذلك ، ولذا أول بما أول ، وعن سعيد بن جبير وأبـي مالك أن الخطاب / هنا لهذه الأمة وهو خلاف الظاهر جداً ولا يكاد يرتكب مثله في الكتاب المجيد لأن الخطابات السابقة واللاحقة لبني إسرائيل فوجود خطاب في الأثناء لغيرهم مما يخل بالنظم الكريم ، وكأن الداعي للقول به ظن لزوم التفضيل مع عدم دافع له سوى ذلك ، وقد علمت أنه من بعض الظن .