Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 46-46)
Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } الخ شروع في تعديد الآلاء التي تفاض في الآخرة . و { مَّقَامِ } مصدر ميمي بمعنى القيام مضاف إلى الفاعل أي ولمن خاف قيام ربه وكونه مهيمناً عليه مراقباً له حافظاً لأحواله ، فالقيام هنا مثله في قوله تعالى : { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الرعد : 33 ] وهذا مروي عن مجاهد وقتادة ، أو هو اسم مكان ، والمراد به مكان وقوف الخلق في يوم القيامة للحساب ، والإضافة إليه تعالى لامية اختصاصية لأن الملك له عز وجل وحده فيه بحسب نفس الأمر ، والظاهر والخلق قائمون له كما قال سبحانه : { يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [ المطففين : 6 ] منتظرون ما يحل عليهم من قبله جل شأنه ، وزعم بعضهم أن الإضافة على هذا الوجه لأدنى ملابسة وليس بشيء ، وقيل : المعنى ولمن خاف مقامه عند ربه على أن المقام مصدر أو اسم مكان وهو للخائف نفسه ، وإضافته / للرب لأنه عنده تعالى فهي مثلها في قولهم : شاة رقود الحلب ، وهي بمعنى عند عند الكوفيين أي رقود عند الحلب ، وبمعنى اللام عند الجمهور كما صرح به شراح « التسهيل » وليست لأدنى ملابسة كما زعم أيضاً ، ثم إن المراد بالعندية هنا مما لا يخفى ، وجوّز أن يكون مقحماً على سبيل الكناية ، فالمراد ولمن خاف ربه لكن بطريق برهاني بليغ ، ومثله قول الشماخ : @ ذعرت به القطا ونفيت عنه ( مقام الذئب ) كالرجل اللعين @@ وهو الأظهر على ما ذكره صاحب « الكشف » ، والظاهر أن المراد ولكل فرد فرد من الخائفين : { جَنَّتَانِ } فقيل : إحداهما منزله ومحل زيارة أحبابه له ، والأخرى منزل أزواجه وخدمه ، وإليه ذهب الجبائي ، وقيل : بستانان بستان داخل قصره وبستان خارجه ، وقيل : منزلان ينتقل من أحدهما إلى الآخر لتتوفر دواعي لذته وتظهر ثمار كرامته ، وأين هذا ممن يطوف بين النار وبين حميم آن ؟ وجوز أن يقال : جنة لعقيدته وجنة لعمله ، أو جنة لفعل الطاعات وجنة لترك المعاصي ، أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه ، أو إحداهما روحانية والأخرى جسمانية ، ولا يخفى أن الصفات الآتية ظاهرة في الجسمانية . وقال مقاتل : جنة عدن وجنة نعيم ، وقيل : المراد لكل خائفين منكما جنتان جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني ، فإن الخطاب للفريقين ، وهذا عندي خلاف الظاهر ، وفي الآثار ما يبعده ، فقد أخرج البيهقي في « شعب الإيمان » عن الحسن أنه كان شاب على عهد [ عمر بن الخطاب ] رضي الله تعالى عنه ملازم للمسجد والعبادة فعشقته جارية فأتته في خلوة فكلمته فحدثته نفسه بذلك فشهق شهقة فغشي عليه فجاء عم له فحمله إلى بيته فلما أفاق قال : يا عم انطلق إلى عمر فأقرئه مني السلام وقل له ما جزاء من خاف مقام ربه ؟ فانطلق فأخبر عمر وقد شهق الفتى شهقة أخرى فمات [ منها ] فوقف عليه عمر رضي الله تعالى عنه فقال : لك جنتان لك جنتان . ( ( والخوف في الأصل توقع مكروه عند أمارة مظنونة أو معلومة ويضاده الأمن قال الراغب : والخوف من الله تعالى لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد بل إنما يراد به الكف عن المعاصي وتحري الطاعات ، ولذلك قيل : لا يعد خائفاً من لم يكن للذنوب تاركاً ) ) ، ويؤيد هذا تفسير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخائف هنا كما أخرج ابن جرير عنه بمن ركب طاعة الله تعالى وترك معصيته . وقول مجاهد : هو الرجل يريد الذنب فيذكر الله تعالى فيدع الذنب ، والذي يظهر أن ذلك تفسير باللازم ، وقد يقال : إن ارتكاب الذنب قد يجامع الخوف من الله تعالى وذلك كما إذا غلبته نفسه ففعله خائفاً من عقابه تعالى عليه ، وأيد ذلك بما أخرجه أحمد والنسائي والطبراني والحكيم الترمذي في « نوادر الأصول » وابن أبـي شيبة وجماعة عن أبـي الدرداء " أن النبـي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال النبـي عليه الصلاة والسلام : الثانية { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت : وإن زني وإن سرق ؟ فقال الثالثة : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : نعم وإنْ رغم أنف أبـي الدرداء " وأخرج الطبراني وابن مردويه من طريق الجريري عن أخيه قال : سمعت محمد بن سعد يقرأ ولمن خاف مقام ربه جنتان وإن زنى وإن سرق فقلت : ليس فيه وإن زنى وإن سرق / فقال : سمعت أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه يقرؤها كذلك فأنا أقرؤها كذلك حتى أموت ، وصرح بعضهم أن المراد بالخوف في الآية أشده فتأمل . وجاء في شأن هاتين الجنتين من حديث عياض بن غنم مرفوعاً " إن عرض كل واحدة منهما مسيرة مائة عام " والآية على ما روي عن ابن الزبير وابن شوذب نزلت في أبـي بكر . وأخرج ابن أبـي حاتم وأبو الشيخ في « العظمة » عن عطاء أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ذكر ذات يوم وفكر في القيامة والموازين والجنة والنار وصفوف الملائكة وطي السمٰوات ونسف الجبال وتكوير الشمس وانتثار الكواكب فقال : وددت أني كنت خضراً من هذه الخضر تأتي عليَّ بهيمة فتأكلني وأني لم أخلق فنزلت : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } .