Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 63, Ayat: 10-10)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَـٰكُمْ } أي بعض ما أعطيناكم وتفضلنا به عليكم من الأموال ادخاراً للآخرة { مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } أي أماراته ومقدماته ، فالكلام على تقدير مضاف ، ولذا فرع على ذلك قوله تعالى : { فَيَقُولَ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى } أي أمهلتني { إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } أي أمد قصير { فَأَصَّدَّقَ } أي فأتصدق ، وبذلك قرأ أبـي وعبد الله وابن جبير . ونصب الفعل في جواب التمني والجزم في قوله سبحانه : { وَأَكُن مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } بالعطف على موضع { فَأَصَّدَّقَ } كأنه قيل : إن أخرتني أصدّق وأكن ، وإلى هذا ذهب أبو علي الفارسي والزجاج ، وحكى سيبويه عن الخليل أنه على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني لأن الشرط غير ظاهر ولا يقدر حتى يعتبر العطف على الموضع كما في قوله تعالى : { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ } [ الأعراف : 186 ] فيمن قرأ بالجزم وهو حسن بيد أن التعبير بالتوهم هنا ينشأ منه توهم قبيح ، والفرق بين العطف / على الموضع والعطف على التوهم أن العامل في العطف على الموضع موجود وأثره مفقود ، والعامل في العطف على التوهم مفقود وأثره موجود . واستظهر أن الخلاف لفظي فمراد أبـي علي والزجاج العطف على الموضع المتوهم أي المقدر إذ لا موضع هنا في التحقيق لكنهما فرا من قبح التعبير . وقرأ الحسن وابن جبير وأبو رجاء وابن أبـي إسحٰق . ومالك بن دينار والأعمش وابن محيصن وعبد الله بن الحسن العنبري وأبو عمرو { وأكون } بالنصب وهو ظاهر ، وقرأ عبيد بن عمير { وأكون } بالرفع على الاستئناف ، والنحويون وأهل المعاني قدروا المبتدأ في أمثال ذلك من أفعال المستأنفة ، فيقال هنا : أي وأنا أكون ولا تراهم يهملون ذلك ، ووجه بأن ذلك لأن الفعل لا يصلح للاستئناف مع الواو الاستئنافية كما هنا ولا بدونها ، وتعقب بأنه لم يذهب إلى عدم صلاحيته لذلك أحد من النحاة وكأنه لهذا صرح العلامة التفتازاني بأن التزام التقدير مما لم يظهر له وجهه ، وقيل : وجهه أن الاستئناف بالاسمية أظهر وهو كما ترى . وجوز كون الفعل على هذه القراءة مرفوعاً بالعطف على أصدّق على نحو القولين السابقين في الجزم . هذا وعن الضحاك أنه قال في قوله تعالى : { وَأَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰكُمْ } يعني الزكاة والنفقة في الحج ، وعليه قول ابن عباس فيما أخرج عنه ابن المنذر : { فَأَصَّدَّقَ } أزكى { وَأَكُن مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } أحج ، وأخرج الترمذي وابن جرير والطبراني وغيرهم عنه أيضاً أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان له مال يبلغه حج بيت ربه أو تجب عليه فيه الزكاة فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت " فقال له رجل : يا ابن عباس اتق الله تعالى فإنما يسأل الرجعة الكفار فقال : سأتلو عليكم بذلك قرآناً { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [ المنافقون : 9 ] إلى آخر السورة كذا في « الدر المنثور » . وفي « أحكام القرآن » [ لابن العربي ] رواية الترمذي عنه ذلك موقوفاً عليه ، وحكى عنه في « البحر » وغيره أنه قال : إن الآية نزلت في مانع الزكاة ، ووالله لو رأى خيراً لما سأل الرجعة ، فقيل له : أما تتقي الله تعالى يسأل المؤمنون الكرة ؟ ! فأجاب بنحو ما ذكر . ولا يخفى أن الاعتراض عليه وكذا الجواب أوفق بكونه نفسه ادّعى سؤال الرجعة ولم يرفع الحديث بذلك ، وإذا كان قوله تعالى : { لَوْلا أَخَّرْتَنِى } الخ سؤالاً للرجعة بمعنى الرجوع إلى الدنيا بعد الموت لم يحتج قوله تعالى : { مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } إلى تقدير مضاف كما سمعت آنفاً .