Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 31-31)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

انتقال من غرض إلى غرض في أفانين إبطال الشرك وإثبات توحد الله تعالى بالإلهية . وهذه الجملة تتنزل منزلة الاستدلال لقوله { مولاهم الحق } يونس 30 لأنها برهان على أنه المستحق للولاية . فاحتج على ذلك بمواهب الرزق الذي به قوام الحياة ، وبموهبة الحواس ، وبنظام التناسل والتوالد الذي به بقاء الأنواع ، وبتدبير نظام العالم وتقدير المقدرات ، فهذه كلها مواهب من الله وهم كانوا يعلمون أن جميع ما ذكر لا يفعله إلا الله إذ لم يكونوا ينسبون إلى أصنامهم هذه الأمور ، فلا جرم أن كان المختص بها هو مستحق الولاية والإلهية . والاستفهام تقريري . وجاء الاستدلال بطريقة الاستفهام والجوابِ لأن ذلك في صورة الحوار ، فيكون الدليل الحاصل به أوقع في نفوس السامعين ، ولذلك كان من طرق التعليم مما يراد رسوخه من القواعد العلمية أن يؤتى به في صورة السؤال والجواب . وقوله { من السماء والأرض } تذكير بأحوال الرزق ليكون أقوى حضوراً في الذهن ، فالرزق من السماء المطر ، والرزق من الأرض النبات كله من حب وثمر وكلأ . وأم في قوله { أم من يملك السمع } للإضراب الانتقالي من استفهام إلى آخر . ومعنى { يملك السمع والأبصار } يملك التصرف فيهما ، وهو مِلك إيجاد تينك الحاستين وذلك استدلال وتذكير بأنفع صنع وأدقه . وأفرد { السمع } لأنه مصدر فهو دال على الجنس الموجود في جميع حواس الناس . وأما { الأبصار } فجيء به جمعاً لأنه اسم ، فهو ليس نصاً في إفادة العموم لاحتمال توهم بصر مخصوص فكان الجمع أدل على قصد العموم وأنفى لاحتمال العهد ونحوه بخلاف قوله { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً } الإسراء 36 لأن المراد الواحد لكل مخاطب بقوله { ولا تقفُ ما ليس لك به علم } الإسراء 36 . وقد تقدم عند قوله تعالى { قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم } في سورة الأنعام 46 . وإخراجُ الحي من الميت هو تولد أطفال الحيوان من النطف ومن البَيْض فالنطفة أو البيضة تكون لا حياة فيها ثم تتطور إلى الشكل القابل للحياة ثم تكون فيها الحياة . ومِن في قوله { مِن الميت } للابتداء . وإخراج الميت من الحي إخراج النطفةِ والبيضِ من الحيوان . والتعريف في { الحي } و { الميت } في المرتين تعريف الجنس . وقد نظم هذا الاستدلال على ذلك الصنع العجيب بأسلوب الأحاجي والألغاز وجعل بمحسن التضاد ، كل ذلك لزيادة التعجيب منه . وقد تقدم الكلام على نظيره في قوله { وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } في سورة آل عمران 27 . غير أن ما هنا ليس فيه رمز إلى شيء . وقوله { ومن يدبر الأمر } تقدم القول في نظيره في أوائل هذه السورة . وهو هنا تعميم بعد تخصيص ذكر ما فيه مزيد عبرة في أنفسهم كالعِبرة في قوله { وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي السماء رزقكم وما توعدون } الذاريات 21 ، 22 . والفاء في قوله { فسيقولون الله } فاء السببية التي من شأنها أن تقترن بجواب الشرط إذا كان غير صالح لمباشرة أداة الشرط ، وذلك أنه قصد تسبب قولهم { اللّهُ } على السؤال المأمور به النبيءُ عليه الصلاة والسلام ، فنزل فعل { قل } منزلة الشرط فكأنه قيل إن تَقل من يرزقكم من السماء والأرض فسيقولون الله ، ومنه قوله تعالى { قل كونوا حجارة أو حديداً أو خلقاً مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا } الإسراء 50 ، 51 . وهذا الاستعمال نظير تنزيل الأمر من القول منزلة الشرط في جزم الفعل المقول بتنزيله منزلة جواب الشرط كقوله تعالى { قل لعباديَ الذين آمنوا يقيمُوا الصلاة } إبراهيم 31 وقوله { وقل لعبادِي يقولوا التي هي أحسن } الإسراء 53 . التقدير إن تقل لهم أقيموا الصلاة يقيموا وإن تقل لهم قولوا التي هي أحسن يقولوا . وهو كثير في القرآن على رأي المحققين من النحاة وعادة المعربين أن يُخَرّجوه على حذف شرط مقدر دل عليه الكلام . والرأيان متقاربان إلا أن ما سلكه المحققون تقدير معنى والتقدير عندهم اعتبار لا استعمال ، وما سلكه المعربون تقدير إعراب والمقدر عندهم كالمذكور . ولو لم ينزل الأمر بمنزلة الشرط لما جَاءت الفاء كما في قوله تعالى { قل لِمَن الأرضُ ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله } المؤمنون 84 ، 85 الآيات . والفاء في قوله { فقل } فاء الفصيحة ، أي إن قالوا ذلك فقل أفلا تتقون . والفاء في قوله { أفلا تتقون } فاء التفريع ، أي يتفرع على اعترافكم بأنه الفاعل الواحد إنكار عدم التقوى عليكم . ومفعول { تتقون } محذوف ، تقديره تتقونه ، أي بتنزيهه عن الشريك . وإنما أخبر الله عنهم بأنهم سيعترفون بأن الرازق والخالق والمدبر هو الله لأنهم لم يكونوا يعتقدون غير ذلك كما تكرر الإخبار بذلك عنهم في آيات كثيرة من القرآن . وفيه تحدّ لهم فإنهم لو استطاعوا لأنكروا أن يكون ما نسب إليهم صحيحاً ، ولكن خوفهم عار الكذب صرفهم عن ذلك فلذلك قامتْ عليهم الحجة بقوله { فقل أفلا تتقون } .