Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 104, Ayat: 1-7)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلاَّ } . كلمة ويل له دُعاء على المجرور اسمُه باللام بأن يناله الويل وهو سوء الحال كما تقدم غير مرة منها قوله تعالى { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند اللَّه } في سورة البقرة 79 . والدعاء هنا مستعمل في الوعيد بالعقاب . وكلمة كُلّ تشعر بأن المهددين بهذا الوعيد جماعة وهم الذين اتخذوا همز المسلمين ولمزهم ديدناً لهم أولئك الذين تقدم ذكرهم في سبب نزول السورة . وهُمَزَة ولُمزة بوزن فُعَلَة صيغة تدل على كثرة صدور الفعل المصاغ منه . وأنه صار عادة لصاحبه كقولهم ضُحَكَة لكثير الضحك ، ولُعَنَة لكثير اللعن ، وأصلها أن صيغة فُعَل بضم ففتح ترد للمبالغة في فَاعل كما صرح به الرضيّ في شرح الكافية يقال رجل حُطَم إذا كان قليل الرحمة للماشية ، أي والدواب . ومنه قولهم خُتع بخاء معجمة ومثناة فوقية وهو الدليل الماهر بالدلالة على الطريق فإذا أريدت زيادة المبالغة في الوصف أُلحق به الهاء كما أُلحقت في علاّمة ورحَّالة ، فيقولون رجل حُطمة وضُحكة ومنه هُمزة ، وبتلك المبالغة الثانية يفيد أن ذلك تفاقم منه حتى صار له عادة قد ضري بها كما في « الكشاف » ، وقد قالوا إن عُيَبَة مساوٍ لعيابة ، فمن الأمثلة ما سمع فيه الوصف بصيغتي فُعَل وفُعَلَة نحو حُطم وحطمة بدون هاء وبهاء ، ومن الأمثلة ما سمع فيه فُعلة دون فُعل نحو رجل ضُحَكة ، ومن الأمثلة ما سمع فيه فُعَل دون فُعَلَة وذلك في الشتم مع حرف النداء يا غُدَر ويا فُسق ويا خُبَث ويا لُكع . قال المرادي في « شرح التسهيل » قال بعضهم ولم يسمع غيرها ولا يقاس عليها ، وعن سيبويه أنه أجاز القياس عليها في النداء اهــــ . قلت وعلى قول سيبويه بنى الحريري قوله في « المقامة السابعة والثلاثين » « صَهْ يا عُقَق ، يا من هو الشّجَا والشَرَق » . وهُمزة وصف مشتق من الهَمز . وهو أن يعيب أحدٌ أحداً بالإِشارة بالعين أو بالشِّدق أو بالرأس بحضرته أو عند توليه ، ويقال هَامز وهمَّاز ، وصيغة فُعلة يدل على تمكن الوصف من الموصوف . ووقع { هُمزة } وصفاً لمحذوف تقديره ويل لكل شَخْص هُمزة ، فلما حذف موصُوفه صار الوصف قائماً مقامه فأضيف إليه كُلّ . ولمزة وصف مشتق من اللمز وهو المواجعة بالعيب ، وصيغته دالة على أن ذلك الوصف ملكة لصاحبه كما في هُمزة . وهذان الوصفان من معاملة أهل الشرك للمؤمنين يومئذ ، ومَن عامَلَ من المسلمين أحداً من أهل دينه بمثل ذلك كان له نصيب من هذا الوعيد . فمن اتصف بشيء من هذا الخُلق الذميم من المسلمين مع أهل دينه فإنها خصلة من خصال أهل الشرك . وهي ذميمة تدخل في أذى المسلم وله مراتب كثيرة بحسب قوة الأذى وتكرره ولم يُعد من الكبائر إلا ضربُ المسلم . وسبُّ الصحابة رضي الله عنهم وإدمان هذا الأذى بأن يتخذه ديدناً فهو راجع إلى إدمان الصغائر وهو معدود من الكبائر . وأتبع { الذي جمع مالاً وعدده } لزيادة تشنيع صفتيه الذميمتين بصفة الحرص على المال . وإنما ينشأ ذلك عن بخل النفس والتخوف من الفقر ، والمقصود من ذلك دخول أولئك الذين عُرفوا بهمز المسلمين ولمزهم الذين قيل إنهم سبب نزول السورة لتعيينهم في هذا الوعيد . واسم الموصول من قوله { الذي جمع مالاً } نعت آخر ولم يعطف { الذي } بالواو لأن ذكر الأوصاف المتعددة للموصوف الواحد يجوز أن يكون بدون عطف نحو قوله تعالى { ولا تطع كل حلاّف مهين هماز مشاء بنميم منَّاع للخير مُعتدٍ أثيم عتل بعد ذلك زنيم } القلم 10 ـــ 13 . والمال مكاسب الإِنسان التي تنفعه وتكفي مؤونة حاجته من طعام ولباس وما يتخذ منه ذلك كالأنعام والأشجار ذات الثمار المثمرة . وقد غلب لفظ المال في كل قوم من العرب على ما هو الكثير من مشمولاتهم فغلب اسم المال بين أهل الخيام على الإِبل قال زهير @ فكُلاّ أراهم أصبحوا يعقلونه صحيحاتتِ مال طالعات بمخرم @@ يريد إبل الدية ولذلك قال طالعات بمخرم . وهو عند أهل القرى الذين يتخذون الحوائط يغلب على النخل يقولون خرج فلان إلى مَاله ، أي إلى جناته ، وفي كلام أبي هريرة « وإن أخواني الأنصار شغلهم العمل في أموالهم » وقال أبو طلحة « وإن أحب أموالي إليَّ بئرُ حاء » . " وغلب عند أهل مكة على الدراهم لأن أهل مكة أهل تجر ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للعباس « أينَ المال الذي عند أم الفضل » " وتقدم في قوله تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } سورة آل عمران 92 . ومعنى { عدّدهُ } أكْثر من عدِّه ، أي حسابه لشدة ولعه بجمعه فالتضعيف للمبالغة في عدَّ ومعاودته . وقرأ الجمهور { جمع مالاً } بتخفيف الميم ، وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر ورويس عن يعقوب وخلفٌ بتشديد الميم مزاوجاً لقوله { عدَّده } وهو مبالغة في { جَمَع } . وعلى قراءة الجمهور دل تضعيف { عدده } على معنى تكلف جمعه بطريق الكناية لأنه لا يكرر عده إلا ليزيد جمعه . ويجوز أن يكون { عَدده } بمعنى أكثر إعداده ، أي إعداد أنواعه فيكون كقوله تعالى { والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث } آل عمران 14 . وجملة { يحسب أن ماله أخلده } يجوز أن تكون حالاً من هُمَزة فيكون مستعملاً في التَّهكم عليه في حرصه على جمع المال وتعديده لأنه لا يُوجد من يَحْسِب أن ماله يُخلده ، فيكون الكلام من قبيل التمثيل ، أو تكون الحال مراداً بها التشبيه وهو تشبيه بليغ . ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة والخبر مستعملاً في الإِنكار ، أو على تقدير همزة استفهام محذوفة مستعملاً في التهكم أو التعجيب . وجيء بصيغة المضي في { أخلده } لتنزيل المستقبل منزلة الماضي لتحققه عنده ، وذلك زيادة في التهكم به بأنه موقن بأن ماله يخلده حتى كأنه حصل إخلاده وثبت . والهَمزة في { أخلده } للتعدية ، أي جعله خالداً . وقرأ الجمهور { يحسِب } بكسر السين . وقرأه ابن عامر وعاصم وحمزة وأبو جعفر بفتح السين وهما لغتان . ومعنى الآية أن الذين جمعوا المال يشبه حالهم حال من يحسب أن المال يقيهم الموت ويجعلهم خالدين لأن الخلود في الدنيا أقصى متمناهم إذ لا يؤمنون بحياة أخرى خالدة . و { كلاّ } إبطال لأن يكون المال مُخلِّداً لهم . وزجر عن التلبس بالحالة الشنيعة التي جعلتهم في حال من يحسب أن المال يخلد صاحبه ، أو إبطال للحرص في جمع المال جمعاً يمنع به حقوق الله في المال من نفقات وزكاة . { لَيُنبَذَنَّ فِى ٱلْحُطَمَةِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ * نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ * ٱلَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } . استئناف بياني ناشىء عن ما تضمنته جملة { يحسب أن ماله أخلده } من التهكم والإِنكار ، وما أفاده حرف الزجر من معنى التوعد . والمعنى ليَهْلِكَنَّ فَليُنْبَذَنَّ في الحُطمة . واللام جواب قسم محذوف . والضمير عائد إلى الهمزة . والنبذ الإِلقاء والطرح ، وأكثر استعماله في إلقاء ما يكره . قال صاحب « الكشاف » في قوله تعالى { فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليَمّ } القصص 40 شبههم استحقاراً لهم بحَصَيات أخذَهُن آخذٌ بكفه فطرحهن اهــــ . والحُطمة صفة بوزن فُعَلَة ، مثل ما تقدم في الهُمزة ، أي لينبذن في شيء يحطمه ، أي يكسره ويدقه . والظاهر أن اللام لتعريف العهد لأنه اعتبر الوصف علماً بالغلبة على شيء يحطم وأريد بذلك جهنم ، وأن إطلاق هذا الوصف على جهنم من مصطلحات القرآن . وليس في كلام العرب إطلاق هذا الوصف على النار . فجملة { وما أدراك ما الحطمة } في موضع الحال من قوله { الحطمة } والرابط إعادة لفظ الحطمة ، وذلك إظهار في مقام الإِضمار للتهويل كقوله { الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة } الحاقة 1 ـــ 3 وما فيها من الاستفهام ، وفعل الدراية يفيد تهويل الحطمة ، وقد تقدم { ما أدراك } غير مرة منها عند قوله { وما أدراك ما يوم الدين } في سورة الانفطار 17 . وجملة { نار الله الموقدة } جواب عن جملة { وما أدراك ما الحطمة } مفيد مجموعهما بيان الحطمة ما هي ، وموقع الجملة موقع الاستئناف البياني ، والتقدير هي ، أي الحطمة نار الله ، فحُذف المبتدأ من الجملة جرياً على طريقة استعمال أمثاله من كل إخبار عن شيء بعد تقدم حديث عنه وأوصاف له ، وقد تقدم عند قوله تعالى { صُمّ بكمٌ عمي } في سورة البقرة 18 . وإضافة { نار } إلى اسم الجلالة للترويع بها بأنها نار خلقها القادر على خلق الأمور العظيمة . ووصف { نار } بــــ « موقدة » ، وهو اسم مفعول من أوقد النار ، إذا أشعلها وألهبَها . والتوقد ابتداء التهاب النار فإذا صارت جمراً فقد خفّ لهبها ، أو زال ، فوصف { نار } بــــ « موقدة » يفيد أنها لا تزال تلتهب ولا يزول لهيبها . وهذا كما وُصفت نار الأخدود بذات الوَقود بفتح الواو في سورة البروج ، أي النار التي يُجدد اتقادها بوقود وَهو الحَطب الذي يُلقَى في النار لتتقد فليس الوصف بالموقَدة هنا تأكيداً . ووصفت { نار اللَّه } وصفاً ثانياً بــــ { التي تطّلع على الأفئدة } . والاطلاع يجوز أن يكون بمعنى الإِتيان مبالغة في طلع ، أي الإِتيان السريع بقوة واستيلاء ، فالمعنى التي تنفذ إلى الأفئدة فتحرقها في وقت حرق ظاهر الجسد . وأن يكون بمعنى الكشف والمشاهدة قال تعالى { فاطلع فرآه في سواء الجحيم } الصافات 55 فيفيد أن النار تحرق الأفئدة إحراق العالِم بما تحتوي عليه الأفئدة من الكفر فتصيب كل فؤاد بما هو كِفاؤه من شدة الحرق على حسب مبلغ سوء اعتقاده ، وذلك بتقدير من الله بين شدة النار وقابلية المتأثر بها لا يعلمه إلا مُقدِّره .