Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 112-112)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ } . ترتب عن التسلية التي تضمّنها قوله { ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه } هود 110 وعن التثبيت المفاد بقوله { فلا تك في مرية ممّا يَعبد هؤلاء } هود 109 الحضّ على الدّوام على التمسك بالإسلام على وجه قويم . وعبّر عن ذلك بالاستقامة لإفادة الدّوام على العمل بتعاليم الإسلام ، دواماً جماعهُ الاستقامة عليه والحذر من تغييره . ولمّا كان الاختلاف في كتاب موسى عليه السّلام إنّما جاء من أهل الكتاب عطف على أمر النّبيء صلى الله عليه وسلم بالاستقامة على كتابه أمرُ المؤمنين بتلك الاستقامة أيضاً ، لأنّ الاعوجاج من دواعي الاختلاف في الكتاب بنهوض فرق من الأمة إلى تبديله لمجاراة أهوائهم ، ولأنّ مخالفة الأمّة عمداً إلى أحكام كتابها إن هو إلاّ ضرب من ضروب الاختلاف فيه ، لأنّه اختلافها على أحكامه . وفي الحديث " فإنّما أهلكَ الذين من قبلكم كثرةُ مسائلهم واختلافُهم على أنبيائهم " ، فلا جرم أن كانت الاستقامة حائلاً دون ذلك ، إذ الاستقامة هي العمل بكمال الشريعة بحيث لا ينحرف عنها قِيد شبر . ومتعلقها العمل بالشريعة بعد الإيمان لأنّ الإيمان أصل فلا تتعلّق به الاستقامة . وقد أشار إلى صحّة هذا المعنى " قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبِي عَمْرَةَ الثقفي لمّا قال له « يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك . قال قل آمنت بالله ثم استَقِمْ » " فجعل الاستقامة شيئاً بعد الإيمان . ووُجّه الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم تنويهاً بشأنه ليبني عليه قوله { كما أمرتَ } فيشير إلى أنّه المتلقّي للأوامر الشرعيّة ابتداء . وهذا تنويه له بمقام رسالته ، ثم أُعلم بخطاب أمّته بذلك بقوله { ومن تاب معك } . وكاف التّشبيه في قوله { كما أمرت } في موضع الحال من الاستقامة المأخوذة من استقم . ومعنى تشبيه الاستقامة المأمور بها بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم لكون الاستقامة مماثلة لسائر ما أمر به ، وهو تشبيه المجمل بالمفصّل في تفصيله بأن يكون طبقه . ويؤول هذا المعنى إلى أن تكون الكاف في معنى على كما يقال كن كما أنت . أي لا تتغيّر ، ولتشبه أحوالك المستقبلة حالتك هذه . { ومن تاب } عطف على الضمير المتّصل في { أمرت } . ومصحّح العطف موجود وهو الفصل بالجار والمجرور . { ومن تاب } هم المؤمنون ، لأنّ الإيمان توبة من الشّرك ، و { معك } حال من { تاب } وليس متعلّقاً بـ { تاب } لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من المشركين . وقد جمع قوله { فاستقم كما أمرت } أصول الصّلاح الديني وفروعه لقوله { كما أمرتَ } . قال ابن عبّاس ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشدّ ولا أشق من هذه الآية عليه . ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له لقد أسرع إليك الشيب « شيبتني هود وأخواتها » . وسئل عمّا في هود فقال قوله { فاستقم كما أمرت } . الخطاب في قوله { ولا تطغوا } موجه إلى المؤمنين الذين صدق عليهم { ومن تاب معك } . والطغيان أصله التّعاظم والجراءة وقلة الاكتراث ، وتقدّم في قوله تعالى { ويمدُّهم في طغيانهم يعمهون } في سورة البقرة 15 . والمراد هنا الجراءة على مخالفة ما أمروا به ، قال تعالى { كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحلّ عليكم غضبي } طه 81 . فنهى الله المسلمين عن مخالفة أحكام كتابه كما نهى بني إسرائيل . وقد شمل الطغيان أصول المفاسد ، فكانت الآية جامعة لإقامة المصالح ودَرْء المفاسد ، فكان النهي عنه جامعاً لأحوال مصادر الفساد من نفس المفسد وبقي ما يخشى عليه من عدوى فساد خليطه فهو المنهى عنه بقوله بعد هذا { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار } هود 113 . وعن الحسن البصري جعل الله الدّين بين لاءَيْن { ولا تطغوا } { ولا تركنوا } هود 113 . وجملة { إنّه بما تعملون بصير } استئناف لتحذير من أخفى الطغيان بأن الله مطلع على كل عمل يعمله المسلمون ، ولذلك اختير وصف { بصير } من بين بقية الأسماء الحسنى لدلالة مادته على العلم البين ودلالة صيغته على قوته .