Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 34-34)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عَطَف على وعظهم بحلول العذاب وتوقعه بيانَ حال مجادلته إيّاهم التي امتعضوا منها بأنها مجادلة لنفعهم وصلاحهم ، وفي ذلك تعريض بتحميقهم وتسفيه آرائهم حيث كرهوا ما هو نفع لهم . والنصح قول أو عمل يريد صاحبه صلاح المعمول لأجله . وأكثر ما يطلق على الأقوال النافعة المنقذة من الأضرار . ويكون بالعمل كقوله تعالى { إذا نصحوا لله ورسوله } في سورة التوبة 91 . وفي الحديث " الدين النصيحة لله ولرسوله " أي الإخلاص في العمل لهما لأنّ الله لا ينبّأ بشيء لا يعلمه . وقد تقدم في قوله تعالى { ونصحتُ لكم ولكن لا تحبون النّاصحين } في سورة الأعراف 79 . فالمراد بالنصح هنا هو ما سمّاه قومه بالجدال ، أي هو أولى بأن يسمّى نصحاً ، لأن الجدال يكون للخير والشر كما تقدم . وجملة الشرط في قوله { إن كان الله يريد أن يغويكم } هي المقصود من الكلام ، فجوابها في معنى قوله { لا ينفعكم نصحي } ولكن نظم الكلام بني على الإخبار بعدم نفع النصح اهتماماً بذلك فجعل معطوفاً على ما قبله وأتي بالشرط قيداً له . وأمّا قوله { إن أردت أن أنصح لكم } فهو شرط معترض بين الشرط وبين دليل جوابه لأنه ليس هو المقصود من التعليق ولكنه تعليق على تعليق ، وغير مقصود به التقييد أصلاً ، فليس هذا من الشرط في الشروط المفروضة في مسائل الفقه وأصوله في نحو قول القائل إن أكلت ، إن شربت فأنت طالق ، لأنها مفروضة في شرط مقيّد لشرط آخر . على أن المقصود إذا اجتمع فعلا الشرطين حصل مضمون جوابهما . ومثلوه بقول الشاعر @ إن تستغيثوا بنا إن تُذْعَروا تَجدوا مِنّا مَعاقِل عزّ زانها كرم @@ فأما قوله { إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } فكل من الشرطين مقصود التعليق به . وقد حذف جواب أحدهما لدلالة جواب الآخر عليه . والتعليق بالشرط في قوله { إن أردت أن أنصح لكم } مؤذن بعزمه على تجديد النصح في المستقبل لأن واجبه هو البلاغ وإن كرهوا ذلك . وأشار بقوله { إن كان الله يريد أن يغويكم } إلى ما هم فيه من كراهية دعوة نوح عليه السلام سببه خذلان الله إيّاهم ولولاه لنفعهم نصحه ، ولكن نوحاً عليه السلام لا يعلم مراد الله من إغوائهم ولا مدى استمرار غوايتهم فلذلك كان عليه أن ينصح لهم إلى نهاية الأمر . وتقدم الكلام على دخول اللام على مفعول نصح عند قوله تعالى { إذا نصحوا لله ورسوله } في براءة 91 . والإغواء جعل الشخص ذا غَواية ، وهي الضلال عن الحق والرشد . وجملة { هو ربكم } ابتدائية لتعليمهم أن الله ربهم إن كانوا لا يؤمنون بوجود الله ، أو لتذكيرهم بذلك إن كانوا يؤمنون بوجوده ويشركون معه وُدّاً ، وسوَاعاً ، ويغوث ، ويعوق ، ونسراً . والتقديم في { وإليه ترجعون } للاهتمام ولرعاية الفاصلة وليس للقصر ، لأنهم لا يؤمنون بالبعث أصلاً بله أن يزعموا أنهم يُحْضرون إلى الله وإلى غيره . وتمثلتْ فيما قصه الله من قصة نوح عليه السلام مع قومه صورة واضحة من تفكير أهل العقول السخيفة التي ران عليها الضلال فقلبَ أفكارها إلى اعوجاج فظيع ، وهي الصورة التي تتمثل في الأمم التي لم يثقّف عقولها الإرشاد الديني فغلب عليها الانسياق وراء داعي الهوى ، وامتلكها الغرور بظن الخطأ صواباً ، ومصانعة مَن تصأصىءُ عين بصيرته بلائح من النور ، من يدعوه إلى إغماضها وعدمت الوازع النفساني فلم تعبأ إلاّ بالصور المحوسة ولم تهتمّ إلا باللذات وحب الذات ولا تزن بمعيار النقد الصحيح خلوص النفوس من دَخَل النقائص .