Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 35-36)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عطف على جملة { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } إبراهيم 28 فإنهم كما بدّلوا نعمة الله كفراً أهملوا الشكر على ما بوأهم الله من النعم بإجابة دعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام ، وبدلوا اقتداءهم بسلفهم الصالح اقتداءً بأسلافهم من أهل الضلالة ، وبدلوا دُعاء سلفهم الصالح لهم بالإنعام عليهم كفراً بمفيض تلك النّعَم . ويجوز أن تكون معطوفة على جملة { الله الذي خلق السمٰوات والأرض } بأن انتقل من ذكر النعم العامة للناس التي يدخل تحت مِنتها أهل مكة بحكم العموم إلى ذكر النعم التي خص الله بها أهل مكة . وغير الأسلوب في الامتنان بها إلى أسلوب الحكاية عن إبراهيم لإدماج التنويه بإبراهيم ــــ عليه السلام ــــ والتعريض بذريته من المشركين . وإذا اسم زمان ماض منصوب على المفعولية لفعل محذوف شائع الحذف في أمثاله ، تقديره واذكر إذ قال إبراهيم ، زيادة في التعجيب من شأن المشركين الذي مر في قوله { ألم تر إلى الذين بدلّوا نعمة الله كفراً } ، فموقع العبرة من الحالين واحد . و { رب } منادى محذوف منه حرف النداء . وأصله ربي ، حذفت ياء المتكلم تخفيفاً ، وهو كثير في المنادى المضاف إلى الياء . والبلد المكان المعين من الأرض ، ويطلق على القرية . والتعريف في { البلد } تعريف العهد لأنه معهود الحضور . و { البلد } بدل من اسم الإشارة . وحكاية دعائه بدون بيان البلد إبهام يرد بعده البيان بقوله { عند بيتك المحرم } سورة إبراهيم 37 ، أو هو حَوالة على ما في علم العرب من أنه مكة . وقد مضى في سورة البقرة تفسير نظيره . والتعريف هنا للعهد ، والتنكير في آية البقرة تنكير النوعية ، فهنا دَعَا للبلد بأن يكون آمنا ، وفي آية سورة البقرة دَعَا لِمشار إليه أن يجعله الله من نوع البلاد الآمنة ، فمآل المفادين متحد . { واجنبني } أمر من الثلاثي المجرد ، يقال جنبه الشيء ، إذا جعله جانباً عنه ، أي باعده عنه ، وهي لغة أهل نجد . وأهلُ الحجاز يقولون جنبه بالتضعيف أو أجنبه بالهمز . وجاء القرآن هنا بلغة أهل نجد لأنها أخف . وأراد ببنيه أبناء صلبه ، وهم يومئذٍ إسماعيل وإسحاق ، فهو من استعمال الجمع في التثنية ، أو أراد جميع نسله تعميماً في الخير فاستجيب له في البعض . والأصنام جمع صنم ، وهو صورة أو حجارة أو بناء يتخذ معبوداً ويُدعى إلهاً . وأراد إبراهيم ــــ عليه السلام ــــ مثل ودَ وسواعٍ ويغوثَ ويعوقَ ونَسْرٍ ، أصنام قوم نوح . ومثل الأصنام التي عبدها قوم إبراهيم . وإعادة النداء في قوله { رب إنهن أضللن كثيراً من الناس } لإنشاء التحسر على ذلك . وجملة { إنهن أضللن كثيراً من الناس } تعليل للدعوة بإجنابه عبادتها بأنها ضلال راج بين كثير من الناس ، فحق للمؤمن الضنين بإيمانه أن يخشى أن تجترفه فتنتها ، فافتتاح الجملة بحرف التوكيد لما يفيده حرف إنّ في هذا المقام من معنى التعليل . وذلك أن إبراهيم ــــ عليه السلام ــــ خرج من بلده أُور الكلدانيين إنكاراً على عبدة الأصنام ، فقال { إني ذاهب إلى ربي سيهدين } سورة الصافات 99 وقال لقومه { وأعتزلكم وما تدعون من دون الله } سورة مريم 48 . فلما مر بمصر وجدهم يعبدون الأصنام ثم دخل فلسطين فوجدهم عبدة أصنام ، ثم جاء عَرَبَةَ تهامة فأسكن بها زوجه فوجدها خالية ووجد حولها جُرْهمَ قوماً على الفطرة والسذاجة فأسكن بها هاجر وابنه إسماعيل عليه السلام . ثم أقام هنالك مَعلَم التوحيد . وهو بيت الله الكعبة بناه هو وابنه إسماعيل ، وأراد أن يكون مأوى التوحيد ، وأقام ابنه هنالك ليكون داعية للتوحيد . فلا جرم سأل أن يكون ذلك بلداً آمناً حتى يسلم ساكنوه وحتى يأوي إليهم من إذا آوى إليهم لقنوه أصول التوحيد . ففرع على ذلك قوله { فمن تبعني فإنه مني } ، أي فمن تبعني من الناس فتجنب عبادة الأصنام فهو مني ، فدخل في ذلك أبوه وقومه ، ويدخل فيه ذريته لأن الشرط يصلح للماضي والمستقبل . ومن في قوله { مِني } اتصالية . وأصلها التبعيض المجازي ، أي فإنه متصل بي اتصال البعض بكله . وقوله { ومن عصاني فإنك غفور رحيم } تأدب في مقام الدعاء ونفع للعصاة من الناس بقدر ما يستطيعه . والمعنى ومن عصاني أفوّض أمره إلى رحمتك وغفرانك . وليس المقصود الدعاء بالمغفرة لمن عصى . وهذا من غلبة الحلم على إبراهيم ــــ عليه السلام ــــ وخشية من استئصال عصاة ذريته . ولذلك متعهم الله قليلاً في الحياة الدنيا ، كما أشار إليه قوله تعالى { قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير } سورة البقرة 126 وقوله { وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين } سورة الزخرف 27 . وسوق هذه الدعوة هنا للتعريض بالمشركين من العرب بأنهم لم يبروا بأبيهم إبراهيم عليه السلام . وإذ كان قوله { فإنك غفور رحيم } تفويضاً لم يكن فيه دلالة على أن الله يغفر لمن يشرك به .