Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 37-37)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جملة { إني أسكنت من ذريتي } مستأنفة لابتداء دعاء آخر . وافتتحت بالنداء لزيادة التضرع . وفي كون النداء تأكيداً لنداء سابق ضرب من الربط بين الجمل المفتتحة بالنداء ربط المثل بمثله . وأضيف الرب هنا إلى ضمير الجمع خلافاً لسابقيه لأن الدعاء الذي افتتح به فيه حظ للداعي ولأبنائه . ولعل إسماعيل ــــ عليه السلام ــــ حاضر معه حين الدعاء كما تدل له الآية الأخرى { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم } إلى قوله { واجعلنا مسلمين لك } سورة البقرة 127 . وذلك من معنى الشكر المسؤول هنا . و { مِن } في قوله { من ذريتي } بمعنى بعض ، يعني إسماعيل ــــ عليه السلام ــــ ، وهو بعض ذريته ، فكأن هذا الدعاء صدر من إبراهيم ــــ عليه السلام ــــ بعد زمان من بناء الكعبة وتقري مكة ، كما دل عليه قوله في دعائه هذا { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق } سورة إبراهيم 39 ، فذكر إسحاق عليه السلام . والواد الأرض بين الجبال ، وهو وادي مكة . و { غير ذي زرع } صفة ، أي بواد لا يصلح للنبت لأنه حجارة ، فإن كلمة { ذُو } تدلّ على صَاحبِ ما أضيفت إليه وتمكنه منه ، فإذا قيل ذو مال ، فالمال ثابت له ، وإذا أريد ضد ذلك قيل غير ذي كذا ، كقوله تعالى { قرآناً عربياً غير ذي عوج } سورة الزمر 28 ، أي لا يعتريه شيء من العوج . ولأجل هذا الاستعمال لم يقل بواد لا يزرع أولا زرع به . و { عند بيتك } صفة ثانية لوادٍ أو حال . والمحرم الممنع من تناول الأيدي إياه بما يفسده أو يضر أهله بما جعل الله له في نفوس الأمم من التوقير والتعظيم ، وبما شاهدوه من هلكة من يريد فيه بإلحاد بظلم . وما أصحاب الفيل منهم ببعيد . وعلق { ليقيموا } بــــ { أسكنت } ، أي علة الإسكان بذلك الوادي عند ذلك البيت أن لا يشغلهم عن إقامة الصلاة في ذلك البيت شاغل فيكون البيت معموراً أبداً . وتوسيط النداء للاهتمام بمقدمة الدعاء زيادة في الضراعة . وتهيّأ بذلك أن يفرع عليه الدعاء لهم بأن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ، لأن همة الصالحين في إقامة الدين . والأفئدة جمع فؤاد ، وهو القلب . والمراد به هنا النفس والعقل . والمراد فاجعل أناساً يهوون إليهم . فأقحم لفظ الأفئدة لإرادة أن يكون مسير الناس إليهم عن شوق ومحبة حتى كأن المسرع هو الفؤاد لا الجسد فلما ذكر { أفئدة } لهذه النكتة حسن بيانه بأنهم { من الناس } ، فــــ { من } بيانية لا تبعيضية ، إذ لا طائل تحته . والمعنى فاجعل أناساً يقصدونهم بحبات قلوبهم . وتهوي ــــ مضارع هوَى بفتح الواو ــــ سقط . وأطلق هنا على الإسراع في المشي استعارة ، كقول امرىء القيس @ كجلمود صخْرٍ حَطّه السيلُ من عل @@ ولذلك عدّي باللام دون { على } . والإسراع جُعل كناية عن المحبة والشوق إلى زيارتهم . والمقصود من هذا الدعاء تأنيس مكانهم بتردد الزائرين وقضاء حوائجهم منهم . والتنكير مطلقٌ يحمل على المتعارف في عمران المدن والأسواق بالواردين ، فلذلك لم يقيده في الدعاء بما يدل على الكثرة اكتفاء بما هو معروف . ومحبة الناس إياهم يحصل معها محبة البلد وتكرير زيارته ، وذلك سبب لاستئناسهم به ورغبتهم في إقامة شعائره ، فيؤول إلى الدعوة إلى الدين . ورجاء شكرهم داخل في الدعاء لأنه جُعل تكملة له تعرضاً للإجابة وزيادة في الدعاء لهم بأن يكونوا من الشاكرين . والمقصود توفر أسباب الانقطاع إلى العبادة وانتفاء ما يحول بينهم وبينها من فتنة الكدح للاكتساب .