Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 102-102)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جواب عن قولهم { إنما أنت مفتر } سورة النحل 101 فلذلك فصل فعل { قل } لوقوعه في المحاورة ، أي قل لهم لسْت بمفتر ولا القرآن بافتراء بل نزّله روح القدس من الله . وفي أمره بأن يقول لهم ذلك شدّ لعزمه لكيلا يكون تجاوزه الحدّ في البهتان صارفاً إيّاه عن محاورتهم . فبعد أن أبطل الله دعواهم عليه أنه مفتر بطريقة النّقض أمر رسوله أن يبيّن لهم ماهيّة القرآن . وهذه نكتة الالتفات في قوله تعالى { من ربك } الجاري على خلاف مقتضى ظاهر حكاية المقول المأمور بأن يقوله ، لأن مقتضى الظاهر أن يقول من ربي ، فوقع الالتفات إلى الخطاب تأنيساً للنبي صلى الله عليه وسلم بزيادة توغّل الكلام معه في طريقة الخطاب . واختير اسم الربّ لما فيه من معنى العناية والتدبير . و { روح القدس } جبريل . وتقدّم عند قوله تعالى { وأيّدناه بروح القدس } في سورة البقرة 87 . والروح المَلَك ، قال تعالى { فأرسلنا إليها روحنا } سورة مريم 17 ، أي ملَكاً من ملائكتنا . و { القُدس } الطُهر . وهو هنا مراد به معنياه الحقيقي والمجازي الذي هو الفضل وجلالة القدر . وإضافة الروح إلى القدس من إضافة الموصوف إلى الصّفة ، كقولهم حاتم الجود ، وزيد الخَير . والمراد حَاتم الجواد ، وزيد الخيّر . فالمعنى الملك المقدس . والباء في { بالحق } للملابسة ، وهي ظرف مستقرّ في موضع الحال من الضمير المنصوب في { نزله } مثل { تَنبُتُ بالدُهن } سورة المؤمنون 20 ، أي ملابساً للحقّ لا شائبة للباطل فيه . وذكرت علّة من عِلل إنزال القرآن على الوصف المذكور ، أي تبديل آية مكان آيةٍ ، بأن في ذلك تثبيتاً للذين آمنُوا إذ يفهمون محمل كل آية ويهتدون بذلك وتكون آيات البشرى بشارة لهم وآيات الإنذار محمولة على أهل الكفر . ففي قوله تعالى { نزله روح القدس من ربك } إبطال لقولهم { إنما أنت مفتر } سورة النحل 101 ، وفي قوله تعالى { بالحق } إيقاظ للناس بأن ينظروا في حكمة اختلاف أغراضه وأنها حقّ . وفي التعليل بحكمة التثبيت والهدى والبُشرى بيانٌ لرسوخ إيمان المؤمنين وسداد آرائهم في فهم الكلام السامي ، وأنه تثبيت لقلوبهم بصحة اليقين وهدًى وبشرى لهم . وفي تعلّق الموصولِ وصلته بفعل التثبيت إيماء إلى أن حصول ذلك لهم بسبب إيمانهم ، فيفيد تعريضاً بأن غير المؤمنين تقصر مداركهم عن إدراك ذلك الحقّ فيختلط عليهم الفهم ويزدادون كفراً ويضلّون ويكونُ نذارة لهم . والمراد بالمسلمين الذين آمنوا ، فكان مقتضى الظاهر أن يقال وهدى وبشرى لهم ، فعدل إلى الإظهار لزيادة مدحهم بوصف آخر شريف . وقوله تعالى { وهدى وبشرى } عطف على الجار والمجرور من قوله { ليثبت } ، فيكون { هدى وبشرى } مصدرين في محل نصب على المفعول لأجله ، لأن قوله { ليثبت } وإن كان مجرور اللفظ باللام إذ لا يسوغ نصبه على المفعول لأجله لأنه ليس مصدراً صريحاً . وأما { هدى وبشرى } فلما كانا مصدرين كانا حقيقين بالنصب على المفعول لأجله بحيث لو ظهر إعرابهما لكانا منصوبين كما في قوله تعالى { لتركبوها وزينة } سورة النحل 8 .