Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 103-103)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عطف على جملة { وإذا بدلنا آية مكان آية } سورة النحل 101 . وهذا إبطال لتلبيس آخر مما يلبّسون به على عامّتهم ، وذلك أن يقولوا إن محمداً يتلقّى القرآن من رجل من أهل مكة . قيل قائل ذلك الوليدُ بن المغيرة وغيره ، قال عنه تعالى { فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر } سورة المدثر 24 - 25 ، أي لا يلّقنه مَلَك بل يعلّمه إنسان ، وقد عيّنوه بما دلّ عليه قوله تعالى { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي } . وافتتاح الجملة بالتأكيد بلام القسم و قدْ يشير إلى أن خاصة المشركين كانوا يقولون ذلك لعامّتهم ولا يجهرون به بين المسلمين لأنه باطل مكشوف ، وأن الله أطلع المسلمين على ذلك . فقد كان في مكّة غلام روميّ كان مولى لعامر بن الحضرمي اسمه جَبر كان يصنع السيوف بمكّة ويقرأ من الإنجيل ما يقرأ أمثالُه من عامّة النصارى من دعوات الصلوات ، فاتّخذ زعماء المشركين من ذلك تمويهاً على العامة ، فإن معظم أهل مكّة كانوا أمّيين فكانوا يحسبون من يتلو كلمات يحفظها ولو محرّفة ، أو يكتب حروفاً يتعلّمها ، يحسبونه على علم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما جَانبه قومه وقاطعوه يجلس إلى هذا الغلام ، وكان هذا الغلام قد أظهر الإسلام فقالت قريش . هذا يعلّم محمداً ما يقوله . وقيل كان غلام رومي اسمه بلعام ، كان عبداً بمكة لرجل من قريش ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف عليه يدعوه إلى الإسلام ، فقالوا إن محمداً يتعلّم منه ، وكان هذا العبد يقول إنّما يقف عليّ يعلّمني الإسلام . وظاهر الإفراد في { إليه } أن المقصود رجل واحد . وقد قيل المراد عَبدَان هما جَبر ويَسار كانا قنّين ، فيكون المراد بــــ { بشر } الجنس ، وبإفراد ضميره جريانه على أفراد معاده . وقد كشف القرآن هذا اللّبس هنا بأوضح كشف إذ قال قولاً فصلاً دون طول جدال { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين } ، أي كيف يعلّمه وهو أعجميّ لا يكاد يبين ، وهذا القرآن فصيح عربي معجز . والجملة جواب عن كلامهم ، فهي مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن قولهم { إنما يعلمه بشر } يتضمنّ أنه ليس منزّلاً من عند الله فيسأل سائل ماذا جواب قولهم ؟ فيقال { لِسانُ الذي … } الخ ، وهذا النّظم نظير نظم قوله تعالى { قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالاته } سورة الأنعام 124 . وألْحَد مثل لَحَد ، أي مال عن القويم . فهو مما جاء من الأفعال مهموز بمعنى المجرد ، كقولهم أبان بمعنى بان . فمعنى { يلحدون } يميلون عن الحقِّ لأن ذلك اختلاقُ معاذير ، فهم يتركون الحقّ القويم من أنه كلام منزّل من الله إلى أن يقولوا { يعلمه بشر } ، فذلك ميل عن الحقّ وهو إلحاد . ويجوز أن يراد بالإلحاد الميْل بكلامهم المبهم إلى قَصدٍ معين لأنهم قالوا { إنما يعلمه بشر } وسكتوا عن تعيينه توسعة على أنفسهم في اختلاق المعاذير ، فإذا وجدوا ساذجاً أبَلْهَ يسأل عن المعني بالبشر قالوا له هو جَبر أو بَلعام ، وإذا توسّموا نباهة السائل تجاهلوا وقالوا هو بشر من الناس ، فإطلاق الإلحاد على هذا المعنى مثل إطلاق الميَل على الاختيار . وقرأ نافع والجمهور { يلحدون } ــــ بِضمّ الياءِ ــــ مضارع ألحد . وقرأ حمزة والكسائي { يَلحَدون } بِفتح الياءِ من لَحد مرادف أَلحد . وقد تقدّم الإلحاد في قوله تعالى { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } في سورة الأعراف 180 . وليست هذه الهمزة كقولهم ألحد الميتَ ، لأن تلك للجعل ذَا لحد . واللسان الكلام . سمّي الكلام باسم آلته . والأعجمي المنسوب إلى الأعجم ، وهو الذي لا يبين عن مراده من كل ناطق لا يفهمون ما يريده . ولذلك سمّوا الدوابّ العجماوات . فالياء فيه ياء النسب . ولما كان المنسوب إليه وصفاً كان النسب لتقوية الوصف . والمبين اسم فاعل من أبان ، إذا صار ذا إبِانة ، أي زائد في الإبانة بمعنى الفصاحة والبلاغة ، فحصل تمام التضادّ بينه وبين { لسان الذي يلحدون إليه } .