Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 2-2)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كان استعجالُهم بالعذاب استهزاءً بالرسول صلى الله عليه وسلم وتكذيبه ، وكان ناشئاً عن عقيدة الإشراك التي من أصولها استحالة إرسال الرسل من البشر . وأُتبع تحقيق مجيء العذاب بتنزيه الله عن الشريك فقفّي ذلك بتبرئة الرسول ــــ عليه الصلاة والسلام ــــ من الكذب فيما يبلغه عن ربّه ووصف لهم الإرسال وصفاً موجزاً . وهذا اعتراض في أثناء الاستدلال على التوحيد . والمراد بالملائكة الواحد منهم وهو جبرئيل ــــ عليه السلام ــــ . والروح الوحي . أطلق عليه اسم الروح على وجه الاستعارة لأن الوحي به هدي العقول إلى الحقّ ، فشبّه الوحي بالروح كما يشبّه العلم الحقّ بالحياة ، وكما يشبّه الجهل بالموت قال تعالى { أومن كان ميتاً فأحييناه } سورة الأنعام 122 . ووجه تشبيه الوحي بالروح أن الوحي إذا وعته العقول حلّت بها الحياة المعنوية وهو العلم ، كما أن الروح إذا حلّ في الجسم حلّت به الحياة الحسيّة ، قال تعالى { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } سورة الشورى 52 . ومعنى { من أمره } الجنس ، أي من أموره ، وهي شؤونه ومقدراته التي استأثر بها . وذلك وجه إضافته إلى الله كما هنا وكما في قوله تعالى { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } ، وقوله تعالى { يحفظونه من أمر الله } سورة الرعد 11 ، وقوله تعالى { قل الروح من أمر ربي } سورة الإسراء 85 لما تفيده الإضافة من التخصيص . وقرأ الجمهور { ينزل } ــــ بياء تحتية مضمومة وفتح النون وتشديد الزاي مكسورة ــــ . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ورويس عن يعقوب ــــ بسكون النون وتخفيف الزاي مكسورة ، و { الملائكة } منصوباً . وقرأه روح عن يعقوب ــــ بتاء فوقية مفتوحة وفتح النون وتشديد الزاي مفتوحة ورفع { الملائكة } على أن أصله تتنزل . وقوله تعالى { على من يشاء من عباده } رد على فنون من تكذيبهم فقد قالوا { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } سورة الزخرف 31 وقالوا { فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب } سورة الزخرف 53 أي كان ملكاً ، وقالوا { مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } سورة الفرقان 7 . ومشيئة الله جارية على وفق حكمته ، قال تعالى { الله أعلم حيث يجعل رسالته } سورة الأنعام 124 . { وأن أنذروا } تفسير لفعل { ينزل } لأنه في تقدير ينزل الملائكة بالوحي . وقوله { بالروح من أمره على من يشاء من عباده } اعتراض واستطراد بين فعل { ينزل } ومفسره . و { أنه لا إلٰه إلا أنا } متعلق بــــ { أنذروا } على حذف حرف الجر حذفاً مطرداً مع أنّ . والتقدير أنذروا بأنه لا إله إلا أنا . والضمير المنصوب بــــ أنّ ضمير الشأن . ولما كان هذا الخبر مسوقاً للذين اتّخذوا مع الله آلهة أخرى وكان ذلك ضلالاً يستحقون عليه العقاب جعل إخبارهم بضدّ اعتقادهم وتحذيرهم مما هم فيه إنذاراً . وفرع عليه { فاتقون } وهو أمر بالتقوى الشاملة لجميع الشريعة . وقد أحاطت جملة { أن أنذروا } إلى قوله تعالى { فاتقون } بالشريعة كلها ، لأن جملة { أنذروا أنه لا إلٰه إلا أنا } تنبيه على ما يرجع من الشريعة إلى إصلاح الاعتقاد وهو الأمر بكمال القوة العقلية . وجملة { فاتقون } تنبيه على الاجتناب والامتثال اللذين هما منتهى كمال القوة العملية .