Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 58-59)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الواو في قوله تعالى { وإذا بشر أحدهم بالأنثى } يجوز أن تكون واو الحال . ويجوز أن تكون الجملة معترضة والواو اعتراضية اقتضى الإطالة بها أنها من تفاريع شركهم ، فهي لذلك جديرة بأن تكون مقصودة بالذكر كأخواتها . وهذا أولى من أن تجعل معطوفة على جملة { ولهم ما يشتهون } سورة النحل 57 التي هي في موضع الحال ، لأن ذلك يفيت قصدها بالعدّ . وهذا القصد من مقتضيات المقام وإن كان مآل الاعتبارين واحداً في حاصل المعنى . والتّعبير عن الإعلام بازدياد الأنثى بفعل { بشر } في موضعين لأنه كذلك في نفس الأمر إذ ازدياد المولود نعمة على الوالد لما يترقّبه من التأنّس به ومزاحِه والانتفاع بخدمته وإعانته عند الاحتياج إليه ، ولما فيه من تكثير نسل القبيلة الموجب عزّتها ، وآصرة الصهر . ثم إن هذا مع كونه بشارة في نفس الأمر فالتّعبير به يفيد تعريضاً بالتهكّم بهم إذ يعُدون البشارة مُصيبة وذلك من تحريفهم الحقائق . والتّعريض من أقسام الكناية والكناية تجامع الحقيقة . والباء في { بالأنثى } لتعدية فعل البشارة وعلّقت بذات الأنثى . والمراد بولادتها ، فهو على حذف مضاف معلوم . وفعل { ظل } من أفعال الكون أخوات كان التي تدلّ على اتّصاف فاعلها بحالة لازمة فلذلك تقتضي فاعلاً مرفوعاً يدعى اسماً وحالاً لازماً له منصوباً يدعى خبراً لأنه شبيه بخبر المبتدإ . وسمّاها النّحاة لذلك نواسخ لأنها تعمل فيما لولاها لكان مبتدأً وخبراً فلما تغيّر معها حكم الخبر سمّيت ناسخة لرفعه ، كما سميت إنّ وأخواتها و ظنّ وأخواتها كذلك . وهو اصطلاح تقريبي وليس برشيق . ويستعمل { ظَلّ } بمعنى صار . وهو المراد هنا . واسوداد الوجه مستعمل في لون وجه الكئيب إذ ترهقه غبرة ، فشبّهت بالسّواد مبالغة . والكظيم الغضبان المملوء حنقاً . وتقدم في قوله تعالى { فهو كظيم } في سورة يوسف 84 ، أي أصبح حنقاً على امرأته . وهذا من جاهليتهم الجهلاء وظلمهم ، إذ يعاملون المرأة معاملة من لو كانت ولادة الذكور باختيارها ، ولماذا لا يحنق على نفسه إذ يلقح امرأته بأنثى ، قالت إحدى نسائهم أنشده الأصمعي تذكر بعلها وقد هجرها لأنها تلد البنات @ يَغْضَبُ إنْ لم نلد البنينا وإنما نُعطي الذي أعطينا @@ والتّواري الاختفاء ، مضارع واراه ، مشتقّ من الوراء وهو جهة الخلف . و { مِن } في قوله تعالى { من سوء ما بشر به } للابتداء المجازي المفيد معنى التعليل ، لأنه يقال فعلت كذا من أجل كذا ، قال تعالى { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } سورة الأنعام 151 ، أي يتوارى من أجل تلك البشارة . وجملة { أيمسكه } بدل اشتمال من جملة { يتوارى } ، لأنه يتوارى حياء من الناس فيبقى متوارياً من قومه أياماً حتى تُنسى قضيّته . وهو معنى قوله تعالى { أيمسكه } الخ ، أي يتوارى ويتردّد بين أحد هذين الأمرين بحيث يقول في نفسه أأمسكه على هُون أم أدسّه في التراب . والمراد التردّد في جواب هذا الاستفهام . والهُون الذلّ . وتقدم عند قوله تعالى { فاليوم تجزون عذاب الهون } في سورة الأنعام 93 . والدسّ إخفاء الشيء بين أجزاء شيء آخر كالدفن . والمراد الدّفن في الأرض وهو الوأد . وكانوا يَئِدون بناتهم ، بعضُهم يئد بحدثان الولادة ، وبعضهم يئد إذا يفعت الأنثى ومشت وتكلّمت ، أي حين تظهر للناس لا يمكن إخفاؤها . وذلك من أفظع أعمال الجاهلية ، وكانوا متمالئين عليه ويحسبونه حقّاً للأب فلا ينكرها الجماعة على الفاعل . ولذلك سمّاه الله حكماً بقوله تعالى { ألا ساء ما يحكمون } . وأعلن ذمّهُ بحَرف { ألاَ } لأنه جور عظيم قد تَمَالأُوا عليه وخوّلوه للناس ظلماً للمخلوقات ، فأسند الحكم إلى ضمير الجماعة مع أن الكلام كان جارياً على فعل واحد غير معيّن قضاءً لحقّ هذه النكتة .