Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 13-14)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما كان سياق الكلام جارياً في طريق الترغيب في العمل الصالح والتحذير من الكفر والسيئات ابتداء من قوله تعالى { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين } الإسراء 9 إلى قوله تعالى { عذاباً أليماً } الإسراء 10 وما عقبه مما يتعلق بالبشارة والنذارة وما أدمج في خلال ذلك من التذكير ثم بما دل على أن علم الله محيط بكل شيء تفصيلاً ، وكان أهم الأشياء في هذا المقام إحاطة علمه بالأعمال كلها ، فأعقب ذكر ما فصله الله من الأشياء بالتنبيه على تفصيل أعمال الناس تفصيلاً لا يقبل الشك ولا الإخفاء وهو التفصيل المشابه للتقييد بالكتابة ، فعطف قوله { وكل إنسان } الخ على قوله { وكل شيء فصلناه تفصيلاً } الإسراء 12 عطف خاص على عام للاهتمام بهذا الخاص . والمعنى وكل إنسان قدرنا له عمله في علمنا فهو عامل به لا محالة وهذا من أحوال الدنيا . والطائر أطلق على السهم ، أو القرطاس الذي يُعين فيه صاحب الحَظّ في عطاء أو قرعة لقسمة أو أعشار جزور الميسر ، يقال اقتسموا الأرض فطار لفلان كذا ، ومنه قول أم العَلاء الأنصارية في حديث الهجرة اقتسم الأنصارُ المهاجرين فطار لنا عُثمان بن مظعون … وذكرت قصة وفاته . وأصل إطلاق الطائر على هذا إما لأنهم كانوا يرمون السهام المرقومة بأسماء المتقاسمين على صبر الشيء المقسوم المعدة للتوزيع . فكل من وقع السهم المرقوم باسمه على شيء أخذَه . وكانوا يطلقون على رمي السهم فعل الطيران لأنهم يجعلون للسهم ريشاً في قُذذه ليخف به اختراقه الهواء عند رميه من القوس ، فالطائر هنا أطلق على الحظ من العمل مثل ما يطلق اسم السهم على حظ الإنسان من شيء ما . وإما من زجر الطير لمعرفة بختِ أو شُؤم الزاجر من حالة الطير التي تعترضه في طريقه ، والأكثر أن يفعلوا ذلك في أسفارهم ، وشاع ذلك في الكلام فأطلق الطائر على حظ الإنسان من خير أو شر . والإلزام جعله لازماً له ، أي غير مفارق ، يقال لَزمه إذا لم يفارقه . وقوله { في عُنُقِهِ } يجوز أن يكون كناية عن الملازمة والقرب ، أي عمله لازم له لزوم القلادة . ومنه قول العرب تقلدها طَوْقَ الحمامة ، فلذلك خصت بالعنق لأن القلادة توضع في عنق المرأة . ومنه قول الأعشى @ والشِعْرَ قلدتُه سَلامَةَ ذَا فا ئش والشيءُ حيثما جُعلا @@ ويحتمل أن يكون تمثيلاً لحالة لعلها كانت معروفة عند العرب وهي وضع علامات تعلق في الرقاب للذين يعيّنون لعمل ما أو ليؤخذ منهم شيء ، وقد كان في الإسلام يجعل ذلك لأهل الذمة ، كما قال بشار @ كَتب الحبُّ لها في عُنقي مَوْضِعَ الخَاتم من أهله الذِمم @@ ويجوز أن يكون { في عنقه } تمثيلاً بالبعير الذي يوسم في عنقه بسمة كيلا يختلط بغيره ، أو الذي يوضع في عنقه جلجل لكيلا يضل عن صاحبه . والمعنى على الجميع أن كل إنسان يعامل بعمله من خير أو شر لا يُنقص له منه شيء . وهذا غير كتابة الأعمال التي ستذكر عقب هذا بقوله { ونخرج له يوم القيامة كتاباً } الآية . وعَطف جملة { ونخرج له يوم القيامة كتاباً } إخبار عن كون تلك الأعمال المعبر عنها بالطائر تظهر يوم القيامة مفصلة معينة لا تغادَر منها صغيرةٌ ولا كبيرة إلا أحصيت للجزاء عليها . وقرأ الجمهور { ونخرج } بنون العظمة وبكسر الراء ، وقرأه يعقوب بياء الغيبة وكسر الراء ، والضمير عائد إلى الله المعلوم من المقام ، وهو التفات . وقرأه أبو جعفر بياء الغيبة في أوله مبنياً للنائب على أن { له } نائب فاعل و { وكتاباً } منصوباً على المفعولية وذلك جائز . والكتاب ما فيه ذكر الأعمال وإحصاؤها . والنشر ضد الطي . ومعنى { يلقاه } يجده . استعير فعل يلقى لمعنى يَجد تشبيهاً لوجدان النسبة بلقاء الشخص . والنشر كناية عن سرعة اطلاعه على جميع ما عمله بحيث إن الكتاب يحضر من قبل وصُول صاحبه مفتوحاً للمطالعة . وقرأ ابن عامر ، وأبو جعفر { يُلَقّاه } بضم الياء وتشديد القاف مبنياً للمجهول على أنه مضاعف لقي تضعيفاً للتعدية ، أي يجعله لاقياً كقوله { ولقاهم نضرة وسروراً } الإنسان 11 . وأسند إلى المفعول بمعنى يجعله لاقياً . كقوله { وما يلقاها إلا الذين صبروا } فصّلت 35 وقوله { ويلقون فيها تحية وسلاما } الفرقان 75 . ونشر الكتاب إظهاره ليقرأ ، قال تعالى { وإذا الصحف نشرت } التكوير 10 . وجملة { اقرأ كتابك } مقول قول محذوف دل عليه السياق . والأمر في { اقرأ } مستعمل في التسخير ومكنى به عن الإعذار لهم والاحتجاج عليهم كما دل عليه قوله { كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } ، ولذلك كان معرفة تلك الأعمال من ذلك الكتاب حاصلة للقارىء . والقراءة مستعملة في معرفة ما أثبت للإنسان من الأعمال أو في فهم النقوش المخصوصة إن كانت هنالك نقوش وهي خوارق عادات . والباء في قوله { بنفسك } مزيدة للتأكيد داخلة على فاعل { كفى } كما تقدم في قوله { وكفى بالله شهيدا } في سورة النساء 79 . وانتصب { حسيباً } على التمييز لنسبة الكفاية إلى النفس ، أي من جهة حسيب . والحسيب فعيل بمعنى فاعل مثل ضريب القداح بمعنى ضاربها ، وصريم بمعنى صارم ، أي الحاسب والضابط . وكثر ورود التمييز بعد كفى بكذا . وعدي بــــ على لتضمينه معنى الشهيد . وما صدق النفس هو الإنسان في قوله { وكل إنسان ألزمناه طائره } فلذلك جاء { حسيباً } بصيغة التذكير .