Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 15-15)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } هذه الجملة بيان أو بدل اشتمال من جملة { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } مع توابعها . وفيه تبيين اختلاف الطائر بين نافع وضار ، فطائر الهداية نفع لصاحبه وطائر الضلال ضر لصاحبه . ولكون الجملة كذلك فصلت ولم تعطف على التي قبلها . وجملة { ولا تزر وازرة وزر أخرى } واقعة موقع التعليل لمضمون جملة { ومن ضل فإنما يضل عليها } لما في هذه من عموم الحكم فإن عَمل أحد لا يُلحق نفعُه ولا ضَره بغيره . ولما كان مضمون هذه الجملة معنى مهما اعتبر إفادة أنفاً للسامع ، فلذلك عطفت الجملة ولم تُفصل . وقد روعي فيها إبطال أوهام قوم يظنون أن أوزارهم يحملها عنهم غيرهم . وقد روي أن الوليد بن المغيرة وهو من أيمة الكفر كان يقول لقريش اكفروا بمحمد وعلي أوزاركم ، أي تبعاتكم ومؤاخذتكم بتكذيبه إن كان فيه تبعة . ولعله قال ذلك لما رأى ترددهم في أمر الإسلام وميلهم إلى النظر في أدلة القرآن خشية الجزاء يوم البعث ، فأراد التمويه عليهم بأنه يتحمل ذنوبهم إن تبين أن محمداً على حق ، وكان ذلك قد يروج على دهمائهم لأنهم اعتادوا بالحملات والكفالات والرهائن ، فبين الله للناس إبطال ذلك إنقاذاً لهم من الاغترار به الذي يهوي بهم إلى المهالك مع ما في هذا البيان من تعليم أصل عظيم في الدين وهو { ولا تزر وازرة وزر أخرى } . فكانت هذه الآية أصلاً عظيماً في الشّريعة ، وتفرع عنها أحكام كثيرة . ولمّا روى ابن عمر عن النّبيء صلى الله عليه وسلم " أنّ الميت ليعذّب ببكاء أهله عليْه " قالت عائشة ــــ رضي الله عنها ــــ « يرحم الله أبا عبد الرحمان ، ما قال رسول الله ذلك والله يقول { ولا تزر وازرة وزر أخرى } . ولما مُرّ برسول الله جنازةُ يهودية يبكي عليها أهلها فقال « إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب » . والمعنى أن وزر أحد لا يحمله غيره فإذا كان قد تسبب بوزره في إيقاع غيره في الوِزر حُمل عليْه وزر بوزر غيره لأنه متسبب فيه ، وليس ذلك بحمل وزر الغير عليه ولكنه حمل وزر نفسه عليها وهو وزر التسبب في الأوزار . وقد قال تعالى { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون } ، وكذلك وزر من يَسُنّ للناس وزراً لم يكونوا يعملونه من قبل . وفي الصحيح " مَا من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأولِ كِفْل من دمها ذلك أنه أول من سن القتل " وسكتت الآية عن أن لا ينتفع أحد بصالح عمل غيره اكتفاء إذ لا داعي إلى بيانه لأنه لا يوقع في غرور ، وتعلم المساواة بطريق لحن الخطاب أو فحواه ، وقد جاء في القرآن ما يومىء إلى أن المتسبب لأحد في هدي ينال من ثواب المهتدي قال تعالى { واجعلنا للمتقين إماماً } الفرقان 74 وفي الحديث " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية ، وعلم بثه في صدور الرجال ، وولد صالح يدعو له بخير " ومن التخليط توهم أن حمل الدية في قتل الخطأ على العاقلة منافٍ لهذه الآية ، فإن ذلك فرع قاعدة أخرى وهي قاعدة التعاون والمواساة وليست من حمل التبعات . و { تزر } تحمل الوزر ، وهو الثقل . والوازرة الحاملة ، وتأنيثها باعتبار أنها نفس لقوله قبله { من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها } فصّلت 46 . وأطلق عليها { وازرة } على معنى الفرض والتقدير ، أي لو قدرت نفس ذات وزر لا تزاد على وزرها وزر غيرها ، فعلم أن النفس التي لا وزر لها لا تزر وزر غيرها بالأوْلى . والوزر الإثم لتشبيهه بالحمل الثقيل لما يجره من التعب لصاحبه في الآخرة ، كما أطلق عليه الثقل ، قال تعالى { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم } العنكبوت 13 . { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } عطف على آية { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } الآية . وهذا استقصاء في الإعذار لأهل الضلال زيادة على نفي مؤاخذتهم بأجرام غيرهم ، ولهذا اقتصر على قوله { وما كنا معذبين } دون أن يقال ولا مثيبين . لأن المقام مقام إعذار وقطع حجة وليس مقام امتنان بالإرشاد . والعذاب هنا عذاب الدنيا بقرينة السياق وقرينة عطف { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها } الإسراء 16 الآية . ودلت على ذلك آيات كثيرة ، قال الله تعالى { وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين } الشعراء 209 وقال { فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون } يونس 47 . على أن معنى حتى يؤذن بأن بعثة الرسول متصلة بالعذاب شأن الغاية ، وهذا اتصال عرفي بحسب ما تقتضيه البعثة من مدةٍ للتبليغ والاستمرار على تكذيبهم الرسول والإمهال للمكذبين ، ولذلك يظهر أن يكون العذاب هنا عذاب الدنيا وكما يقتضيه الانتقال إلى الآية بعدها . على أننا إذا اعتبرنا التوسع في الغاية صح حمل التعذيب على ما يعم عذاب الدنيا والآخرة . ووقوع فعل { معذبين } في سياق النفي يفيد العموم ، فبعثة الرسل لتفصيل ما يريده الله من الأمة من الأعمال . ودلت الآية على أن الله لا يؤاخذ الناس إلا بعد أن يرشدهم رحمة منه لهم . وهي دليل بين على انتفاء مؤاخذة أحد ما لم تبلغه دعوة رسول من الله إلى قوم ، فهي حجة للأشعري ناهضة على الماتريدي والمعتزلة الذين اتفقوا على إيصال العقل إلى معرفة وجود الله ، وهو ما صرح به صدر الشريعة في التوضيح في المقدمات الأربع . فوجود الله وتوحيده عندهم واجبان بالعقل فلا عذر لمن أشرك بالله وعطل ولا عذر له بعد بعثة رسول . وتأويل المعتزلة أن يراد بالرسول العقل تطوُّحٌ عن استعمال اللغة وإغماض عن كونه مفعولاً لفعل { نبعث } إذ لا يقال بعث عقلاً بمعنى جعل . وقد تقدم ذلك في تفسير قوله تعالى { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } في سورة النساء 165 .