Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 18-18)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ } عطف على بقية القصة ، وما بينهما اعتراض . والخطاب فيه كالخطاب في قوله { وترى الشمس } الكهف 17 . وهذا انتقال إلى ما في حالهم من العبرة لمن لو رآهم من الناس مُدمَج فيه بيان كرامتهم وعظيم قدرة الله في شأنهم ، وهو تعجيب من حالهم لمن لو رآه من الناس . ومعنى حسبانهم أيقاظاً أنهم في حالة تشبه حال اليقظة وتخالف حال النوم ، فقيل كانت أعينهم مفتوحة . وصيغ فعل { تحسبهم } مضارعاً للدلالة على أن ذلك يتكرر مدة طويلة . والأيقاظ جمع يَقِظ ، بوزن كتف ، وبضم القاف بوزن عَضُد . والرقود جمع راقد . والتقليب تغيير وضع الشيء من ظاهره إلى باطنه ، قال تعالى { فأصبح يقلب كفيه } الكهف 42 . و { ذات اليمين وذات الشمال } أي إلى جهة أيمانهم وشمائلهم . والمعنى أنّ الله أجرى عليهم حال الأحياء الأيقاظ فجعلهم تتغير أوضاعهم من أيمانهم إلى شمائلهم والعكس ، وذلك لحكمة لعل لها أثراً في بقاء أجسامهم بحالة سلامة . والإتيان بالمضارع للدلالة على التجدد بحسب الزمن المحكي . ولا يلزم أن يكونوا كذلك حين نزول الآية . { وَكَلْبُهُمْ بَـٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ } هذا يدل على أن تقليبهم لليمين وللشمال كرامة لهم بمنحهم حالة الأحياء وعناية بهم ، ولذلك لم يذكر التقليب لكلبهم بل استمر في مكانه باسطاً ذراعيه شأن جلسة الكلب . والوصيد مدخل الكهف ، شبه بالباب الذي هو الوصيد لأنه يوصد ويغلق . وعدم تقليب الكلب عن يمينه وشماله يدل على أن تقليبهم ليس من أسباب سلامتهم من البلى وإلا لكان كلبهم مثلهم فيه بل هو كرامة لهم . وقد يقال إنهم لم يفنوا وأما كلبهم ففني وصار رِمة مبسوطةٌ عظامُ ذراعيه . { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا } الخطاب لغير معين ، أي لو اطلعت عليهم أيها السامع حين كانوا في تلك الحالة قبل أن يبعثهم الله ، إذ ليس في الكلام أنهم لم يزالوا كذلك زمن نزول الآية . والمعنى لو اطلعت عليهم ولم تكن علمت بقصتهم لحسبتهم لصوصاً قطاعاً للطريق ، إذ هم عدد في كهف وكانت الكهوف مخابىء لقطاع الطريق ، كما قال تأبط شراً @ أقولُ للَحْيَان وقد صفّرتْ لهم وطابي ويوَمي ضَيّقُ الجُحْر مُعوِر @@ ففررت منهم وملك الرعب من شرهم ، كقوله تعالى { نكرهم وأوجس منهم خيفة } هود 70 . وليس المراد الرعب من ذواتهم إذ ليس في ذواتهم ما يخالف خلق الناس ، ولا الخوف من كونهم أمواتاً إذ لم يكن الرعب من الأموات من خلال العرب ، على أنه قد سبق { وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود } . والاطلاع الإشراف على الشيء ورؤيته من مكان مرتفع ، لأنه افتعال من طَلع إذا ارتقى جَبلا ، فصيغ الافتعال للمبالغة في الارتقاء ، وضمن معنى الإشراف فعدي بــــ على ، ثم استعمل مجازاً مشهوراً في رؤية الشيء الذي لا يراه أحد ، وسيأتي ذكر هذا الفعل عند قوله تعالى { أطلع الغيب } في سورة مريم 78 ، فضلاً عن أن يكون الخطاب للنبيء . وفي الكشاف عن ابن عباس ما يقتضي ذلك وليس بصحيح . وانتصب { فراراً } على المفعول المطلق المبين لنوع وليت . { ومُلّئتَ } مبني للمجهول ، أي مَلاك الرعب ومَلّا بتشديد اللام مضاعف مَلاَ وقرىء بهما . والمَلْء كون المظروف حالاً في جميع فراغ الظرف بحيث لا تبقى في الظرف سعة لزيادة شيء من المظروف ، فمثلت الصفة النفسية بالمظروف ، ومُثل عقل الإنسان بالظرف ، ومثل تمكن الصفة من النفس بحيث لا يُخالطها تفكير في غيرها بملء الظرف بالمظروف ، فكان في قوله { ملّئت } استعارة تمثيلية ، وعكسه قوله تعالى { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً } القصص 10 . وانتصب { رعباً } على تمييز النسبة المحول عن الفاعل في المعنى لأن الرعب هو الذي يَمْلأ ، فلما بني الفعل إلى المجهول لقصد الإجمال ثم التفصيل صار ما حقه أن يكون فاعلاً تمييزاً . وهو إسناد بديع حصل منه التفصيل بعد الإجمال ، وليس تمييزا مُحولاً عن المفعول كما قد يلوح بادىء الرأي . والرعب تقدم في قوله تعالى { سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب } في سورة آل عمران 151 . وقرأ نافع وابن كثير { ولَمُلِّئْتَ } ــــ بتشديد اللام ــــ على المبالغة في الملء ، وقرأ الباقون بتخفيف اللام على الأصل . وقرأ الجمهور { رعباً } ــــ بسكون العين ــــ . وقرأه ابن عامر والكسائي وأبو جعفر ويعقوب ــــ بضم العين ــــ .