Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 45-45)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كان أعظم حائل بين المشركين وبين النظر في أدلة الإسلام انهماكهم في الإقبال على الحياة الزائلة ونعيمها ، والغرور الذي غر طغاة أهل الشرك وصرفهم عن إعمال عقولهم في فهم أدلة التوحيد والبعث كما قال تعالى { وذرني والمكذبين أولى النعمة ومهلهم قليلا } المزمل 11 ، وقال { أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين } القلم 14 - 15 . وكانوا يحسبون هذا العالم غير آيل إلى الفناء { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر } الجاثية 24 . وما كان أحد الرجلين اللذين تقدمت قصتهما إلا واحداً من المشركين إذ قال { وما أظن الساعة قائمة } الكهف 36 . فأمر الله رسوله بأن يضرب لهم مثل الحياة الدنيا التي غرتهم بهجتها . والحياة الدنيا تطلق على مدة بقاء الأنواع الحية على الأرض وبقاء الأرض على حالتها . فإطلاق اسم { الحياة الدنيا } على تلك المدة لأنها مدة الحياة الناقصة غير الأبدية لأنها مقدر زوالها ، فهي دُنيا . وتطلق الحياة الدنيا على مدة حياة الأفراد ، أي حياة كل أحد . ووصفُها بــــ الدنيا بمعنى القريبة ، أي الحاضرة غير المنتظرة ، كنى عن الحضور بالقرب ، والوصف للاحتراز عن الحياة الآخرة وهي الحياة بعد الموت . والكاف في قوله { كماء } في محل الحال من الحياة المضاف إليه مثل . أي اضرب لهم مثلاً لها حال أنها كماء أنزلناه . وهذا المثل منطبق على الحياة الدنيا بإطلاقيها ، فهما مرادان منه . وضمير { لهم } عائد إلى المشركين كما دل عليه تناسق ضمائر الجمع الآتية في قوله { وحشرناهم فلم نغادر منهم … وعرضوا … بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا } الكهف 47 - 48 . واختلاط النبات وفرته والتفاف بعضه ببعض من قوة الخِصب والازدهار . والباء في قوله به باء السببية . والضمير عائد إلى ماءٍ أي فاختلط النبات بسبب الماء ، أي اختلط بعض النبات ببعض . وليست البَاء لتعدية فعل اختلط إلى المفعول لعدم وضوح المعنى عليه ، وفي ذكر الأرض بعد ذكر السماء محسن الطباق . و أصبح مستعملة بمعنى صار ، وهو استعمال شائع . والهشيم اسم على وزن فعيل بمعنى مفعول ، أي مَهْشوماً محطماً . والهَشْم الكسر والتفتيت . و { تذروه الرياح } أي تفرقه في الهواء . والذرو الرمي في الهواء . شبهت حالة هذا العالم بما فيه بحالة الروضة تبقى زماناً بَهِجة خَضِرة ثم يصير نبتُها بعد حين إلى اضمحلال . ووجه الشبه المصير من حال حسن إلى حال سَيّء . وهذا تشبيه معقول بمحسوس لأن الحالة المشبهة معقولة إذ لم ير الناس بوادر تَقلص بهجة الحياة ، وأيضاً شبهت هيئة إقبال نعيم الدنيا في الحياة مع الشباب والجِدة وزخرف العيش لأهله ، ثم تَقلصُ ذلك وزوال نفعه ثم انقراضُه أشتاتاً بهيئة إقبال الغيث منبت الزرع ونشأتِه عنه ونضارتهِ ووفرتهِ ثم أخذهِ في الانتقاص وانعدام التمتع به ثم تطَايره أشتاتاً في الهواء ، تشبيهاً لمركب محسوس بمركب محسوس ووجه الشبه كما علمت . وجملة { وكان الله على كل شيء مقتدراً } جملة معترضة في آخر الكلام . موقعها التذكير بقدرة الله تعالى على خلق الأشياء وأضدادها ، وجعل أوائلها مفضية إلى أواخرها ، وترتيبه أسباب الفناء على أسباب البقاء ، وذلك اقتدار عجيب . وقد أفيد ذلك على أكمل وجه بالعموم الذي في قوله { على كل شيء } وهو بذلك العموم أشبه التذييل . والمقتدر القوي القدرة .