Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 4-5)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تعليل آخر لإنزال الكتاب على عبده ، جعل تالياً لقوله { لينذر بأساً شديداً من لدنه } الكهف 2 باعتبار أن المراد هنا إنذار مخصوص مقابل لما بَشر به المؤمنين . وهذا إنذار بجزاء خالدين فيه وهو عذاب الآخرة ، فإن جَرَيْتَ على تخصيص البأس في قوله { بأساً شديداً } الكهف 2 بعذاب الدنيا كما تقدم كان هذا الإنذار مغايراً لما قبله وإن جريت على شمول البأس للعذابين كانت إعادة فعل { ينذر } تأكيدا ، فكان عطفه باعتبار أن لمفعوله صفة زائدة على معنى مفعول فِعل { ينذر } السابق يُعرف بها الفريق المنذرون بكلا الإنذارين ، وهو يُومىء إلى المنذرَين المحذوف في قوله { لينذر بأساً شديداً } الكهف 2 ويغني عن ذكره . وهذه العلة أثارتها مناسبه ذكر التبشير قبلها ، وقد حذف هنا المنذر به اعتماداً على مقابِلِه المبشر به . والمراد بـ { الذين قالوا اتخذ الله ولداً } هنا المشركون الذين زعموا أن الملائكة بنات الله ، وليس المراد به النصارى الذين قالوا بأن عيسى ابن الله تعالى ، لأن القرآن المكي ما تعرض للرد على أهل الكتاب مع تأهلهم للدخول في العموم لاتحاد السبب . والتعبير عنهم بالموصول وصلته لأنهم قد عُرفوا بهذه المقالة بين أقوامهم وبين المسلمين تشنيعاً عليهم بهذه المقالة ، وإيماء إلى أنهم استحقوا ما أنذروا به لأجلها ولغيرها ، فمضمون الصلة من موجبات ما أنذروا به لأن العلل تتعدد . والولد اسم لمن يولد من ذكر أو أنثى ، يستوي فيه الواحد والجمع . وتقدم في قوله { قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه } في سورة يونس 68 . وجملة { ما لهم به من علم } حال من { الذين قالوا } . والضمير المجرور بالباء عائد إلى القول المفهوم من { قالوا } . ومن لتوكيد النفي . وفائدة ذكر هذه الحال أنها أشنع في كفرهم وهي أن يقولوا كذباً ليست لهم فيه شبهة ، فأطلق العلم على سبب العلم كما دل عليه قوله تعالى { ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه } المؤمنون117 . وضمير { به } عائد على مصدر مأخوذ من فعل { قالوا } ، أي ما لهم بذلك القول من علم . وعطف { ولا لآبائهم } لقطع حجتهم لأنهم كانوا يقولون { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } الزخرف 23 ، فإذا لم يكن لآبائهم حجة على ما يقولون فليسوا جديرين بأن يُقلدوهم . استئناف بالتشاؤم بذلك القول الشنيع . ووجه فصل الجملة أنها مخالفة للتي قبلها بالإنشائية المخالفة للخبرية . وفعل { كبرت } ــــ بضم الباء ــــ . أصله الإخبار عن الشيء بضخامة جسمه ، ويستعمل مجازاً في الشدة والقوة في وصف من الصفات المحمودة والمذمومة على وجه الاستعارة ، وهو هنا مستعمل في التعجيب من كِبر هذه الكلمة في الشناعة بقرينة المقام . ودل على قصد التعجيب منها انتصاب { كلمة } على التمييز إذ لا يحتمل التمييز هنا معنى غير أنه تمييز نسبة التعجيب ، ومن أجل هذا مثلوا بهذه الآية لورود فَعُل الأصلي والمحول لمعنى المدح والذم في معنى نِعم وبئس بحسب المقام . والضمير في قوله { كبرت } يرجع إلى الكلمة التي دل عليها التمييز . وأطلقت الكلمة على الكلام وهو إطلاق شائع ، ومنه قوله تعالى { إنها كلمة هو قائلها } المؤمنون 100 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " أصدقُ كلمةٍ قالها شاعر كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا اللّهَ باطل " وجملة { تخرج من أفواههم } صفة لــــ { كلمة } مقصود بها من جُرْأتِهم على النطق بها ووقاحتهم في قولها . والتعبير بالفعل المضارع لاستحضار صورة خروجها من أفواههم تخييلاً لفظاعتها . وفيه إيماء إلى أن مثل ذلك الكلام ليس له مصدر غير الأفواه ، لأنه لاستحالته تتلقاه وتنطق به أفواههم وتسمعه أسماعهم ولا تتعقله عقولهم لأن المحال لا يعتقده العقل ولكنه يتلقاه المقلد دون تأمل . والأفواه جمع فَم وهو بوزن أفعال ، لأن أصل فم فَوَه بفتحتين بوزن جَمل ، أو فيهٍ بوزن ريح ، فحذفت الهاء من آخره لثقلها مع قلة حروف الكلمة بحيث لا يجد الناطق حرفاً يعتمد عليه لسانه ، ولأن ما قبلها حرف ثقيل وهو الواو المتحركة فلما بقيت الكلمة مختومة بواو متحركة أبدلت ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار « فاً » ولا يكون اسم على حرفين أحدهما تنوين ، فأبدلت الألف المنونة بحرف صحيح وهو الميم لأنها تشابه الواو التي هي الأصل في الكلمة لأنهما شفهيتان فصار « فم » ، ولما جمعوه ردوه إلى أصله . وجملة { إن يقولون إلا كذباً } مؤكدة لمضمون جملة { تخرج من أفواههم } لأن الشيء الذي تنطق به الألسن ولا تحقق له في الخارج ونفسسِ الأمر هو الكذب ، أي تخرج من أفواههم خروج الكذب ، فما قولهم ذلك إلا كذب ، أي ليست له صفة إلا صفة الكذب . هذا إذا جعل القول المأخوذ من { يقولون } خصوص قولهم { اتخذ الله ولداً } الكهف 4 . ولك أن تحمل { يقولون } على العموم في سياق النفي ، أي لا يصدر منهم قول إلا الكذب ، فيكون قصراً إضافياً ، أي ما يقولونه في القرآن والإسلام ، أو ما يقولونه من معتقداتهم المخالف لما جاء به الإسلام فتكون جملة إن { يقولون } تذييلاً .