Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 12-14)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
مقول قول محذوف ، بقرينة أن هذا الكلام خطاب ليحيى ، فلا محالة أنه صادر من قائل ، ولا يناسب إلاّ أن يكون قولاً من الله تعالى ، وهو انتقال من البشارة به إلى نبوءته . والأظهر أنّ هذا من إخبار القرآن للأمة لا من حكاية ما قيل لزكرياء . فهذا ابتداء ذكر فضائل يحيى . وطوي ما بين ذلك لعدم تعلق الغرض به . والسياق يدلّ عليه . والتقدير قلنا يا يحيى خذ الكتاب . والكتاب التوراة لا محالة ، إذ لم يكن ليحيى كتاب منزّل عليه . والأخذ مستعار للتفهم والتدبر ، كما يقال أخذت العلم عن فلان ، لأنّ المعتني بالشيء يشبه الآخذ . والقوة المراد بها قوّة معنوية ، وهي العزيمة والثّبات . والباء للملابسة ، أي أخذا ملابساً للثبات على الكتاب ، أي على العمل به وحَمْل الأمّة على اتباعه ، فقد أخذ الوهن يتطرق إلى الأمة اليهودية في العمل بدينها . و { ءَاتيناه } عطف على جملة القول المحذوفة ، أي قلنا يا يحيى خذ الكتاب وآتيناه الحكم . والحُكم اسم للحكمة . وقد تقدم معناها في قوله تعالى { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } في سورة البقرة 269 . والمراد بها النّبوءة ، كما تقدم في قوله تعالى { ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً } في سورة يوسف 22 ، فيكون هذا خصوصية ليحيى أن أوتي النبوءة في حال صباه . وقيل الحكم هو الحكمة والفهم . و { صَبِيّاً } حال من الضمير المنصوب في { وءَاتينٰه } . وهذا يقتضي أن الله أعطاه استقامة الفكر وإدراك الحقائق في حال الصبا على غير المعتاد ، كما أعطى نبيئه محمداً صلى الله عليه وسلم الاستقامة وإصابة الرأي في صباه . ويبعد أن يكون يحيى أُعطي النبوءة وهو صبي ، لأن النبوءة رتبة عظيمة فإنما تعطى عند بلوغ الأشُدّ . واتفق العلماء على أن يحيى أعطِي النبوءة قبل بلوغ الأربعين سنة بكثير . ولعل الله لما أراد أن يكون شهيداً في مقتبل عمره باكره بالنبوءة . والحَنان الشفقة . ومن صفات الله تعالى الحنان . ومن كلام العرب حنانيك ، أي حناناً منك بعد حنان . وجُعل حنان يحيى من لَدن الله إشارة إلى أنه متجاوز المعتاد بين الناس . والزكاة زكاة النفس ونقاؤها من الخبائث ، كما في قوله تعالى { فقل هل لك إلى أن تزكى } النازعات18 أو أُريد بها البركة . وتقي فعيل بمعنى مُفعل ، من اتّقى إذا اتّصف بالتقوى ، وهي تجنب ما يخالف الدّين . وجيء في وصفه بالتقوى بفعل { كَانَ تَقِيّاً } للدلالة على تمكنه من الوصف . وكذلك عطف بروره بوالديه على كونه تقياً للدّلالة على تمكنه من هذا الوصف . والبرور الإكرام والسعي في الطاعة . والبَرّ ــــ بفتح الباء ــــ وصف على وزن المصدر ، فالوصف به مبالغة . وأما البِر ــــ بكسر الباء ــــ فهو اسم مصدر لعدم جريه على القياس . والجبّار المستخف بحقوق الناس ، كأنه مشتق من الجبر ، وهو القسر والغصب . لأنّه يغصب حقوق النّاس . والعصيّ فعيل من أمثلة المبالغة ، أي شديد العصيان ، والمبالغة منصرفة إلى النفي لا إلى المنفيّ . أي لم يكن عاصياً بالمرة .