Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 65-65)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جملة مستأنفة من كلام الله تعالى كما يقتضيه قوله { فاعْبُدْهُ } إلى آخره ذيل به الكلام الذي لقنه جبريل المتضمن أن الملائكة لا يتصرفون إلاّ عن إذن ربّهم وأنّ أحوالهم كلّها في قبضته بما يفيد عموم تصرفه تعالى في سائر الكائنات ، ثمّ فرع عليه أمر الرسول - عليه السّلام - بعبادته ، فقد انتقل الخطاب إليه . وارتفع { رَبُّ السَّمَٰوٰتِ } على الخبرية لمبتدأ محذوف ملتزم الحذف في المقام الذي يذكر فيه أحد بأخبار وأوصاف ثم يراد تخصيصه بخبر آخر . وهذا الحذف سمّاه السكاكي بالحذف الذي اتّبِع فيه الاستعمال كقول الصولي أو ابن الزّبير ــــ بفتح الزاي وكسر الموحدة ــــ @ سأشكر عَمْرَاً إنْ تراختْ منيتي أياديَ لم تُمنَنْ وإنْ هيَ جلّتِ فتىً غيرُ محجوب الغنى عن صديقه ولا مظهرُ الشكوى إذا النعل زلّت @@ والسماوات العوالم العلوية . والأرض العالم السفلي ، وما بينهما الأجواء والآفاق . وتلك الثلاثة تعم سائر الكائنات . والخطاب في { فَاعبُدهُ واصْطَبِر } و { هَلْ تَعْلَمُ } للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتفريع الأمر بعبادته على ذلك ظاهر المناسبة ويحصل منه التخلّص إلى التنويه بالتّوحيد وتفظيع الإشراك . والاصطبار شدّة الصبر على الأمر الشاق ، لأنّ صيغة الافتعال تَرِد لإفادة قوّة الفعل . وكان الشأن أن يعدى الاصطبار بحرف على كما قال تعالى { وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } طه 132 ولكنّه عدي هنا باللاّم لتضمينه معنى الثّبات ، أي اثبت للعبادة ، لأنّ العبادة مراتب كثيرة من مجاهدة النفس ، وقد يغلب بعضها بعض النّفوس فتستطيع الصبر على بعض العبادات دون بعض كما " قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العشاء « هي أثقل صلاة على المنافقين » " فلذلك لما أمر الله رسوله بالصبر على العبادة كلها وفيها أصناف جمّة تحتاج إلى ثبات العزيمة ، نزل القائم بالعبادة منزلة المغالب لنفسه ، فعدي الفعل باللاّم كما يقال اثبت لعُدَاتك . وجملة { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } واقعة موقع التعليل للأمر بعبادته والاصطبار عليها . والسميّ هنا الأحسن أن يكون بمعنى المُسامي ، أي المماثل في شؤونه كلها . فعن ابن عباس أنه فسّره بالنظير ، مأخوذاً من المساماة فهو فعيل بمعنى فاعل ، لكنه أخذ من المزيد كقول عمرو بن معد يكرب @ أمن ريحانةَ الداعي السميع @@ أي المُسمع . وكما سمي تعالى " الحكيم " ، أي المُحكم للأمور ، فالسميّ هنا بمعنى المماثل في الصفات بحيث تكون المماثلة في الصفات كالمساماة . والاستفهام إنكاري ، أي لا مسامي لله تعالى ، أي ليس من يساميه ، أي يضاهيه ، موجوداً . وقيل السميّ المماثل في الاسم . كقوله في ذكر يحيى { لم نجعل له من قبل سمياً } مريم 7 . والمعنى لا تعلم له مماثلاً في اسمه الله ، فإن المشركين لم يسموا شيئاً من أصنامهم " الله " باللاّم وإنّما يقولون للواحد منها إله ، فانتفاء تسمية غيره من الموجودات المعظمة باسمه كناية عن اعتراف الناس بأن لا مماثل له في صفة الخالقية ، لأنّ المشركين لم يجترئوا على أن يدعوا لآلهتهم الخالقية . قال تعالى { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } لقمان 25 . وبذلك يتمّ كون الجملة تعليلاً للأمر بإفراده بالعبادة على هذا الوجه أيضاً . وكنّي بانتفاء العلم بسميّه عن انتفاء وجود سميّ له ، لأنّ العلم يستلزم وجود المعلوم ، وإذا انتفى مماثله انتفى من يستحق العبادة غيره .