Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 68-70)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الفاء تفريع على جملة { أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل } مريم 67 ، باعتبار ما تضمنته من التهديد . وواو القسم لتحقيق الوعيد . والقسم بالرب مضافاً إلى ضمير المخاطب وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - إدماج لتشريف قدره . وضمير { لنحشرنهم } عائد إلى { الإنسان } مريم 66 المراد به الجنس المفيد للاستغراق العرفي كما تقدم ، أي لنحشرن المشركين . وعطف الشياطين على ضمير المشركين لقصد تحقيرهم بأنهم يحشرون مع أحقر جنس وأفسده ، وللإشارة إلى أن الشياطين هم سبب ضلالهم الموجب لهم هذه الحالة ، فحشرهم مع الشياطين إنذار لهم بأن مصيرهم هو مصير الشياطين وهو محقق عند الناس كلهم . فلذلك عطف عليه جملة { ثم لنُحضِرنّهم حول جهنّم جثيّاً } ، والضميرُ للجميع . وهذا إعداد آخر للتقريب من العذاب فهو إنذار على إنذار وتدرج في إلقاء الرّعب في قلوبهم . فحرف { ثم } للترتيب الرتبي لا للمهلة إذ ليست المهلة مقصودة وإنما المقصود أنهم ينقلون من حالة عذاب إلى أشد . و { جثيّاً } حال من ضمير { لنحضرنهم } ، والجُثيّ جمع جَاثٍ . ووزنه فُعول مثل قاعد وقُعود وجالس وجُلوس ، وهو وزن سماعيّ في جمع فاعل . وتقدّم نظيره { خروا سجداً وبكياً } مريم 58 ، فأصل جُثي جُثُوو ــــ بواوَين ــــ لأن فعله واوي ، يقال جثا يَجثو إذا بَرك على ركبتيه وهي هيئة الخاضع الذليل ، فلمّا اجتمع في جثووٌ واوان استثقلا بعد ضمّة الثاء فصير إلى تخفيفه بإزالة سبب الثقل السابق وهو الضمة فعوضت بكسر الثاء ، فلمّا كسرت الثاء تعين قلب الواو الموالية لها ياءً للمناسبة فاجتمع الواو والياء وسبق أحدهما بالسكون فقلبت الواو الأخرى ياء وأدغمتا فصار جثي . وقرى حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف ــــ بكسر الجيم ــــ وهو كسر إتباع لحركة الثاء . وهذا الجثو هو غير جثوّ الناس في الحشر المحكيّ بقوله تعالى { وترى كل أمّة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها } الجاثية 28 فإن ذلك جثوّ خضوع لله ، وهذا الجثوّ حول جهنّم جثوّ مذلّة . والقول في عطف جملة { ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعة } كالقول في جملة { ثمّ لنحضرنهم } . وهذه حالة أخرى من الرّعب أشدّ من اللتين قبلها وهي حالة تمييزهم للإلقاء في دركات الجحيم على حسب مراتب غلوّهم في الكفر . والنزع إخراج شيء من غيره ، ومنه نزع الماء من البئر . والشيعة الطائفة التي شاعت أحداً ، أي اتّبعته ، فهي على رأي واحد . وتقدم في قوله تعالى { ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين } في سورة الحِجر 10 . والمراد هنا شيع أهل الكفر ، أي من كلّ شيعة منهم . أي ممن أحضرناهم حول جهنّم . والعُتِيّ العصيان والتجبّر ، فهو مصدر بوزن فُعول مثل خروج وجلوس ، فقلبت الواو ياء . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف بكسر العين إتباعاً لحركة التاء كما تقدّم في { جثياً } . والمعنى لنميزنّ من كلّ فرقة تجمعها محلة خاصة من دين الضلال من هو من تلك الشيعة أشدّ عصياناً لله وتجبّراً عليه . وهذا تهديد لعظماء المشركين مثل أبي جهل وأميّة بن خلف ونظرائهم . و أيّ اسم موصول بمعنى ما و من . والغالب أن يحذف صدر صلتها فتبنى على الضم . وأصل التركيب أيّهم هو أشدّ عتياً على الرحمان . وذكر صفة الرحمان هنا لتفظيع عتوّهم ، لأنّ شديد الرّحمة بالخلق حقيق بالشكر له والإحسان لا بالكفر به والطغيان . ولمّا كان هذا النّزع والتمييز مجملاً ، فقد يزعم كل فريق أن غيره أشدّ عصياناً ، أعلم الله تعالى أنّه يعلم من هو أولى منهم بمقدار صُلي النّار فإنّها دركات متفاوتة . والصُلْيُ مصدر صَلِيَ النار كرضي ، وهو مصدر سماعي بوزن فعول . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف بكسر الصاد اتباعاً لحركة اللاّم ، كما تقدم في { جثيّاً } . وحرفا الجر يتعلقان بأفعلي التفضيل .