Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 88-95)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عطف على جملة { ويقول الإنسان أإذا ما مت } مريم 66 أو على جملة { واتخذوا من دون الله آلهة } مريم 81 إتماماً لحكاية أقوالهم ، وهو القول بأن لله ولداً ، وهو قول المشركين الملائكة بنات الله . وقد تقدم في سورة النحل وغيرها فصريح الكلام رد على المشركين ، وكنايته تعريض بالنّصارى الذين شابهوا المشركين في نسبة الولد إلى الله ، فهو تكملة للإبطال الذي في قوله تعالى آنفاً { ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه } مريم 35 الخ . والضمير عائد إلى المشركين ، فيفهم منه أنّ المقصود من حكاية قولهم ليس مجرد الإخبار عنهم ، أو تعليم دينهم ولكن تفظيع قولهم وتشنيعه ، وإنما قالوا ذلك تأييداً لعبادتهم الملائكة والجن واعتقادهم شفعاء لهم . وذكر { الرّحمان } هنا حكاية لقولهم بالمعنى ، وهم لا يذكرون اسم الرحمان ولا يُقرون به ، وقد أنكروه كما حكى الله عنهم { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان } الفرقان 60 ، فهم إنما يقولون { اتخذ الله ولداً } كما حكي عنهم في آيات كثيرة منها آية سورة الكهف 4 . فذكر { الرحمن } هنا وضع للمرادف في موضع مرادفه ، فذكر اسم { الرحمان } لقصد إغاظتهم بذكر اسم أنكروه . وفيه أيضاً إيماء إلى اختلال قولهم لمنافاة وصف الرحمان اتخاذ الولد كما سيأتي في قوله { وما ينبغي للرحمان أن يتخذ ولداً } . والخطاب في { لقد جئتم } للذين قالوا اتخذ الرحمان ولداً ، فهو التفات لقصد إبلاغهم التوبيخ على وجه شديد الصراحة لا يلتبس فيه المراد ، كما تقدم في قوله آنفاً { وإن منكم إلا واردها } مريم 71 فلا يحسن تقدير قل لقد جئتم . وجملة { لقد جئتم شيئاً إدّاً } مستأنفة لبيان ما اقتضته جملة { وقالوا اتّخذ الرحمان ولداً } من التشنيع والتفظيع . وقرأ نافع والكسائي - بياء تحتية على عدم الاعتداد بالتأنيث - ، وذلك جائز في الاستعمال إذا لم يكن الفعل رافعاً لضمير مؤنث متصل ، وقرأ البقية { تكاد } بالتاء المثناة الفوقية ، وهو الوجه الآخر . والتفطر الانشقاق ، والجمع بينه وبين { وتنشق الأرض } تفنّن في استعمال المترادف لدفع ثقل تكرير اللفظ . والخرور السقوط . ومِن في قوله { منه } للتعليل ، والضمير المجرور بمن عائد إلى { شيئاً إداً } ، أو إلى القول المستفاد من { قالوا اتخذ الرحمن ولداً } . والكلام جار على المبالغة في التهويل من فظاعة هذا القول بحيث إنه يبلغ إلى الجمادات العظيمة فيُغيّر كيانها . وقرأ نافع ، وابن كثير ، وحفص عن عاصم ، والكسائي يتفطرن بمثناة تحتية بعدها تاء فوقية . وقرأ أبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، وأبو جعفر ، ويعقوب ، وخلف ، وأبو بكر عن عاصم ، بتحتية بعدها نون ، من الانفطار . والوجهان مطاوع فطَر المضاعف أو فطر المجرد ، ولا يكاد ينضبط الفرق بين البنيتين في الاستعمال . ولعلّ محاولة التّفرقة بينهما كما في الكشاف والشافية لا يطرد ، قال تعالى { ويوم تشقق السماء بالغمام } الفرقان 25 ، وقال { إذا السماء انشقت } الانشقاق 1 ، وقرىء في هذه الآية { ينفطرون } و { ينفطرن } ، والأصل توافق القرآتين في البلاغة . والهدّ هدم البناء . وانتصب { هَدّاً } على المفعولية المطلقة لبيان نوع الخرور ، أي سقوط الهَدم ، وهو أن يتساقط شظايا وقطعاً . و { أن دَعوا للرحمان ولداً } متعلّق بكل مِن « يتفطرن ، وتنشق ، وتخرّ » ، وهو على حذف لام الجرّ قبل أنْ المصدريّة وهو حذف مطرّد . والمقصود منه تأكيد ما أفيد من قوله { منه } ، وزيادةُ بيانٍ لمعادِ الضمير المجرور في قوله { منه } اعتناء ببيانه . ومعنى { دَعَوا } نسبوا ، كقوله تعالى { ادعوهم لآبائهم } الأحزاب 5 ، ومنه يقال ادّعى إلى بني فلان ، أي انتسب . قال بَشامة بن حَزْن النهشلي @ إنّا بني نَهشل لا نَدّعي لأب عنه ولا هو بالأبناء يشرينا @@ وجملة { وما ينبغي للرحمان أن يتّخذ ولداً } عطف على جملة { وقالوا اتخذ الرحمان ولداً } . ومعنى { ما ينبغي } ما يتأتّى ، أو ما يجوز . وأصل الانبغاء أنّه مطاوع فعل بغى الذي بمعنى طلَب . ومعنى ، مطاوعِته التأثّر بما طُلب منه ، أي استجابةُ الطلب . نقل الطيبي عن الزمخشري أنه قال في كتاب سيبويه كل فعل فيه علاج يأتي مطاوعُه على الانفعال كصَرف وطلب وعلم ، وما ليس فيه علاج كعَدم وفقد لا يتأتى في مطاوعه الانفعال البتة » اهــــ . فبان أن أصل معنى { ينبغي } يستجيب الطلب . ولما كان الطلب مختلف المعاني باختلاف المطلوب لزم أن يكون معنى { ينبغي } مختلفاً بحسب المقام فيستعمل بمعنى يتأتى ، ويمكن ، ويستقيم ، ويليق ، وأكثر تلك الإطلاقات أصله من قبيل الكناية واشتهرت فقامت مقام التصريح . والمعنى في هذه الآية وما يجوز أن يتّخذ الرحمان ولداً ، بناء على أن المستحيل لو طلب حصوله لما تأتّى لأنه مستحيل لا تتعلّق به القدرة ، لا لأنّ الله عاجز عنه ، ونحوُ قوله { قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء } الفرقان 18 يفيد معنى لا يستقيم لنا ، أو لا يُخوّل لنا أن نتخذ أولياء غيرك ، ونحو قوله { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر } يس 40 يفيد معنى لا تسْتطيع . ونحو { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } يس 69 يفيد معنى أنه لا يليق به ، ونحو { وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } ص 35 يفيد معنى لا يستجاب طلبه لطالبه إن طلبه ، وفرقٌ بين قولك ينبغي لك أن لا تفعل هذا ، وبين لا ينبغي لك أن تفعل كذا ، أي ما يجوز لِجلال الله أن يتخذ ولداً لأنّ جميع الموجودات غيرَ ذاته تعالى يجب أن تكون مستوية في المخلوقية له والعبودية له . وذلك ينافي البُنوة لأن بُنوة الإله جزء من الإلهية ، وهو أحد الوجهين في تفسير قوله تعالى { قل إن كان للرّحمان ولد فأنا أول العابدين } الزخرف 81 ، أي لو كان له ولد لعبدتُه قبلكم . ومعنى { آتي الرحمان عبداً } الإتيان المجازي ، وهو الإقرار والاعتراف ، مثل باء بكذا ، أصله رجع ، واستعمل بمعنى اعترَف . و { عبداً } حال ، أي معترف لله بالإلهية غير مستقل عنه في شيء في حال كونه عبداً . ويجوز جعل { آتي الرحمان } بمعنى صائر إليه بعد الموت ، ويكون المعنى أنّه يحيا عبداً ويحشر عبداً بحيث لا تشوبه نسبة البنوة في الدنيا ولا في الآخرة . وتكرير اسم { الرّحمان } في هذه الآية أربع مرات إيماء إلى أن وصف الرحمان الثابت لله ، والذي لا ينكر المشركون ثبوت حقيقته لله وإن أنكروا لفظه ، ينافي ادعاء الولد له لأنّ الرحمان وصف يدلّ على عموم الرّحمة وتكثرها . ومعنى ذلك أنّها شاملة لكل موجود ، فذلك يقتضي أن كل موجود مفتقر إلى رحمة الله تعالى ، ولا يتقوم ذلك إلا بتحقق العبودية فيه . لأنه لو كان بعض الموجودات ابناً لله تعالى لاستغنى عن رحمته لأنه يكون بالبنوة مساوياً له في الإلهية المقتضية الغنى المطلقَ ، ولأن اتخاذ الابن يتطلّبُ به متخذُه برّ الابن به ورحمته له ، وذلك ينافي كون الله مفيض كلّ رحمة . فذكر هذا الوصف عند قوله { وقالوا اتخذ الرحمان ولداً } وقوله { أن دعوا للرحمان ولداً } تسجيل لغباوتهم . وذكره عند قوله { وما ينبغي للرحمان أن يتّخذ ولداً } إيماء إلى دليل عدم لياقة اتخاذ الابن بالله . وذكرُه عند قوله { إلا آتي الرحمان عبداً } استدلال على احتياج جميع الموجودات إليه وإقرارها له بملكه إياها . وجملة { لقد أحصاهم } عطف على جملة { لقد جئتم شيئاً إدّاً } ، مستأنفة ابتدائية لتهديد القائلين هذه المقالة . فضمائر الجمع عائدة إلى ما عاد إليه ضمير { وقالوا اتخذ الرحمان ولداً } وما بعده . وليس عائداً على { من في السماوات والأرض } ، أي لقد علم الله كل من قال ذلك وعدّهم فلا ينفلت أحد منهم من عقابه . ومعنى { وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً } إبطال ما لأجله قالوا اتخذ الله ولداً ، لأنهم زعموا ذلك موجب عبادتهم للملائكة والجنّ ليكونوا شفعاءهم عند الله ، فأيْأسهم الله من ذلك بأن كل واحد يأتي يوم القيامة مفرداً لا نصير له كما في قوله في الآية السالفة { ويأتينا فرداً } . وفي ذلك تعريض بأنهم آتون لما يكرهون من العذاب والإهانة إتيانَ الأعزل إلى من يتمكن من الانتقام منه .