Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 2-6)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

افتتحت السورة بملاطفة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنّ الله لم يرد من إرساله وإنزال القرآن عليه أن يشقى بذلك ، أي تصيبه المشقّة ويشده التعب ، ولكن أراد أن يذكر بالقرآن من يخاف وعيده . وفي هذا تنويه أيضاً بشأن المؤمنين الذين آمنوا بأنهم كانوا من أهل الخشية ولولا ذلك لما ادّكروا بالقرآن . وفي هذه الفاتحة تمهيدٌ لما يرد من أمر الرسول - عليه الصلاة والسلام - بالاضطلاع بأمر التبليغ ، وبكونه من أولي العزم مثل موسى - عليه السلام - وأن لا يكون مفرطاً في العزم كما كان آدم - عليه السلام - قبل نزوله إلى الأرض . وأدمج في ذلك التنويه بالقرآن لأن في ضمن ذلك تنويهاً بمن أنزل عليه وجاء به . والشقاء فرط التعب بعمل أو غمّ في النفس ، قال النابغة @ إلاّ مقالةَ أقوام شَقِيت بهم كانت مقالتهم قَرعا على كبدي @@ وهمزة الشقاء مُنقلبة عن الواو . يقال شَقاء وشَقاوة ــــ بفتح الشين ــــ وشِقوة ــــ بكسرها . ووقوع فعل { أنْزَلْنَا } في سياق النفي يقتضي عموم مدلوله ، لأنّ الفعل في سياق النفي بمنزلة النكرة في سياقه ، وعموم الفعل يستلزم عموم متعلقاته من مفعول ومجرور . فيعمّ نفي جميع كلّ إنزال للقرآن فيه شقاء له ، ونفي كل شقاء يتعلق بذلك الإنزال ، أي جميع أنواع الشّقاء فلا يكون إنزال القرآن سبباً في شيء من الشقاء للرسول - صلى الله عليه وسلم - . وأول ما يراد منه هنا أسف النبي - صلى الله عليه وسلم - من إعراض قومه عن الإيمان بالقرآن . قال تعالى { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً } الكهف 6 . ويجوز أن يكون المراد ما أرسلناك لتخِيب بل لنؤيدك وتكون لك العاقبة . وقوله { إلاَّ تَذْكِرَةً } استثناء مفرّغ من أحوال للقرآن محذوفة ، أي ما أنزلنا عليك القرآن في حال من أحوال إلا حال تذكرة فصار المعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى وما أنزلناه في حال من الأحوال إلا تذكرة . ويدل لذلك تعقيبه بقوله { تنزيلاً ممَّن خَلَق الأرضَ } الذي هو حال من القرآن لا محالة ، ففعل { أنْزَلنا } عامل في { لِتَشْقَى } بواسطة حرف الجرّ ، وعامل في { تَذْكِرة } بواسطة صاحب الحال ، وبهذا تعلم أن ليس الاستثناء من العلّة المنفية بقوله { لِتَشْقَى } حتى تتحير في تقويم معنى الاستثناء فتفزع إلى جعله منقطعاً وتقع في كُلف لتصحيح النّظم . وقال الواحدي في « أسباب النزول » « قال مقاتل قال أبو جهل والنضر بن الحارث وزاد غير الواحدي الوليد بن المغيرة ، والمطعِم بنَ عديّ للنبي - صلى الله عليه وسلم - إنك لتشقى بترك ديننا ، لما رأوا من طول عبادته واجتهاده ، فأنزل الله تعالى { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } الآية ، وليس فيه سند . والتذكرة خطور المنسي بالذهن فإن التوحيد مستقرّ في الفطرة والإشراك مناف لها ، فالدعوة إلى الإسلام تذكير لما في الفطرة أو تذكير لملّة إبراهيم - عليه السلام - . و { من يخشى } هو المستعد للتأمل والنظر في صحة الدّين ، وهو كل من يفكّر للنجاة في العاقبة ، فالخشية هنا مستعملة في المعنى العَربي الأصلي ، ويجوز أن يراد بها المعنى الإسلامي ، وهو خوف الله ، فيكون المراد من الفعل المآل ، أي من يؤول أمره إلى الخشية بتيْسِير الله تعالى له التقوى ، كقوله تعالى { هدى للمتقين } البقرة 2 أي الصائرين إلى التقوى . و { تنزيلاً } حال من { القُرءَانَ } ثانية . والمقصود منها التنويه بالقرآن والعناية به لينتقل من ذلك إلى الكناية بأن الذي أنزله عليك بهذه المثابة لا يترك نصرك وتأييدك . والعدول عن اسم الجلالة أو عن ضميره إلى الموصولية لما تؤذن به الصلة من تحتم إفراده بالعبادة ، لأنه خالق المخاطبين بالقرآن وغيرهم مما هو أعظم منهم خلقاً ، ولذلك وُصف { السَّمَاوات } بـ { العُلَى } صفةً كاشفةً زيادة في تقرير معنى عظمة خالقها . وأيضاً لمّا كان ذلك شأن مُنْزل القرآن لا جرم كان القرآن شيئاً عظيماً ، كقول الفرزدق @ إنّ الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعزّ وأطول @@ و { الرحمٰنُ } يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف لازم الحذف تبعاً للاستعمال في حذف المسند إليه كما سماه السكّاكي . ويجوز أن يكون مبتدأ . واختير وصف { الرحمٰن } لتعليم النّاس به لأن المشركين أنكروا تسميته تعالى الرحمان { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان } الفرقان 60 . وفي ذكره هنا وكثرة التذكير به في القرآن بعث على إفراده بالعبادة شكراً على إحسانه بالرحمة البالغة . وجملة { على العرش استوىٰ } حال من { الرَّحْمٰن } . أو خبر ثان عن المبتدأ المحذوف . والاستواء الاستقرار ، قال تعالى { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك } المؤمنون 28 الآية . وقال { واستوت على الجوديّ } هود 44 . والعرش عالم عظيم من العوالم العُليا ، فقيل هو أعلى سماء من السماوات وأعظمها . وقيل غير ذلك ، ويسمى الكرسي أيضاً على الصحيح ، وقيل الكرسي غير العرش . وأيّاً مّا كان فذكر الاستواء عليه زيادة في تصوير عظمة الله تعالى وسعة سلطانه بعد قوله { ممَّن خلقَ الأرضَ والسماوات العُلى } . وأما ذكر الاستواء فتأويله أنه تمثيل لشأن عظمة الله بعظمة أعظم الملوك الذين يجلسون على العروش . وقد عَرَف العرب من أولئك ملوكَ الفرس وملوكَ الروم وكان هؤلاء مضرب الأمثال عندهم في العظمة . وحَسّنَ التعبيرَ بالاستواء مقارنته بالعرش الذي هو ممّا يُستوى عليه في المتعارف ، فكان ذكر الاستواء كالترشيح لإطلاق العرش على السماء العظمى ، فالآية من المتشابه البيّن تأويله باستعمال العرب وبما تقرر في العقيدة أن ليس كمثله شيء . وقيل الاستواء يستعمل بمعنى الاستيلاء . وأنشدوا قول الأخطل @ قد استوى بشر على العراق بغير سيف ودمٍ مُهْراق @@ وهو مولّد . ويحتمل أنه تمثيل كالآية . ولعلّه انتزعه من هذه الآية . وتقدم القول في هذا عند قوله تعالى { ثم استوى على العرش } في سورة الأعراف 54 . وإنما أعدنا بعضه هنا لأن هذه الآية هي المشتهرة بين أصحابنا الأشعرية . وفي تقييد الأبيّ على تفسير ابن عرفة واختار عز الدين بن عبد السلام عدم تكفير من يقول بالجهة . قيل لابن عرفة عادتك تقول في الألفاظ الموهمة الواردة في الحديث كما في حديث السوداء وغيرها ، فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - دليلٌ على عدم تكفير من يقول بالتجسيم ، فقال هذا صعب ولكن تجاسرتُ على قوله اقتداء بالشيخ عز الدين لأنه سبقني لذلك . وأتبع ما دلّ على عظمة سلطانه تعالى بما يزيده تقريراً وهو جملة { له ما في السمَّاوات } الخ . فهي بيان لجملة { الرحمان على العرش استوىٰ } . والجملتان تدلان على عظيم قدرته لأن ذلك هو المقصود من سعة السلطان . وتقديم المجرور في قوله { له ما في السماوات } للقصر ، رداً على زعم المشركين أن لآلهتهم تصرفات في الأرض ، وأن للجنّ اطلاعاً على الغيب ، ولتقرير الردّ ذكرت أنحاء الكائنات ، وهي السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى . والثّرى التراب . وما تحته هو باطن الأرض كله . وجملة { له ما في السَّماوات } عطف على جملة { على العرشِ اسْتَوى } .