Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 43-44)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يجوز أن يكون انتقال إلى خطاب موسى وهارون . فيقتضي أن هارون كان حاضراً لهذا الخطاب ، وهو ظاهر قوله بعده { قالا ربنا إننا نخاف } طه 45 ، وكان حضور هارون عند موسى بوحي من الله أوحاه إلى هارون في أرض « جاسان » حيث منازل بني إسرائيل من أرض قرب طِيبة . قال في التّوراة في الإصحاح الرابع من سفر الخروج « وقال أي الله ها هو هارون خارجاً لاستقبالك فتكلمه أيضاً » . وفيه أيضاً « وقال الرب لهارون اذهب إلى البرية لاستقبال موسى فذهب والتقيا في جبل الله » أي جبل حُوريب ، فيكون قد طُوي ما حدث بين تكليم الله تعالى موسى في الوادي عند النار وما بين وصول موسى مع أهله إلى جبل حوريب في طريقِه إلى أرض مصر ، ويكون قوله { قالا ربنا إننا نخاف } الخ ، جواباً عن قول الله تعالى لهما { اذهب إلى فرعون } الخ . ويكون فصل جملة قالا ربنا إننا نخاف الخ لوقُوعها في أسلوب المحاورة . ويجوز أن تكون جملة { اذْهَبَا إلى فِرْعَونَ } بدلاً من جملة { اذْهَب أنتَ وأخوك } طه 42 ، فيكون قوله { اذهبا } أمراً لموسى بأن يذهب وأن يأمر أخاه بالذهاب معه وهارون غائب ، وهذا أنسب لسياق الجُمل ، وتكون جملة قالا ربنا إننا نخاف مستأنفة استئنافاً ابتدائياً ، وقد طوي ما بين خطاب الله موسى وما بين حكاية قالا ربنا إننا نخاف الخ . والتقدير فذهب موسى ولقي أخاه هارون ، وأبلغه أمر الله له بما أمره ، فقالا ربّنا إننا نخاف الخ . وجملة { إنَّهُ طَغَىٰ } تعليل للأمر بأن يذهبا إليه . فعُلم أنه لقصد كفّه عن طغيانه . وفعل { طَغَىٰ } رسم في المصحف آخره ألفاً مُمالة ، أي بصورة الياء للإشارة إلى أنّه من طَغِي مثل رَضي . ويجوز فيه الواو فيقال يطغو مثل يدعو . والقول الليّنُ الكلام الدال على معاني الترغيب والعرض واستدعاء الامتثال ، بأن يظهر المتكلّم للمخاطب أنّ له من سداد الرأي ما يتقبّل به الحق ويميّز به بين الحق والباطل مع تجنب أن يشتمل الكلام على تسفيه رأي المخاطب أو تجهيله . فشبه الكلام المشتمل على المعاني الحسنة بالشيء الليّنِ . واللين ، حقيقة من صفات الأجسام ، وهو رطوبة ملمس الجسم وسهولة ليّه ، وضد الليّن الخشونة . ويستعار الليّن لسهولة المعاملة والصفح . وقال عمرو بن كلثوم @ فإن قناتنا يا عَمْرو أعيَت على الأعداءِ قبلَكَ أن تلينا @@ واللين من شعار الدعوة إلى الحق ، قال تعالى { وجادلهم بالتي هي أحسن } النحل 125 وقال { فبما رحمة من الله لِنتَ لهم } آل عمران 159 . ومن اللين في دعوة موسى لفرعون قوله تعالى { فقل هل لك إلى أن تَزّكّى وأهديَك إلى ربك فتخشى } النازعات 18 ، 19 وقوله { والسلام على من اتبّع الهدى } الكهف 47 ، إذ المقصود من دعوة الرسل حصول الاهتداء لا إظهار العظمة وغلظة القول بدون جدوى . فإذا لم ينفع اللين مع المدعوّ وأعرض واستكبر جاز في موعظته الإغلاظ معه ، قال تعالى { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم } العنكبوت 46 ، وقال تعالى عن موسى { إنّا قد أوحي إلينا أن العَذاب على من كذّب وتولّى } طه 48 . والتّرجي المستفاد من لعلّ إما تمثيل لشأن الله في دعوة فرعون بشأن الراجي ، وإما أن يكون إعلاماً لموسى وفرعون بأن يرجوَا ذلك ، فكان النطق بحرف الترجي على لسانهما ، كما تقول للشخص إذا أشرت عليه بشيء فلعلّه يصادفك تيْسير ، وأنت لا تريد أنّك ترجو ذلك ولكن بطلب رجاء من المخاطب . وقد تقدمت نظائره في القرآن غير مرّة . والتذكّر من الذُّكر ــــ بضم الذال ــــ أي النظر ، أي لعلّه ينظر نظر المتبصّر فيعرف الحق أو يخشى حلولَ العقاب به فيُطيع عن خشية لا عن تبصر . وكان فرعون من أهل الطغيان واعتقاد أنه على الحق ، فالتذكر أن يعرف أنه على الباطل ، والخشيةُ أن يتردد في ذلك فيخشى أن يكون على الباطل فيحتاط لنفسه بالأخذ بما دعاه إليه موسى . وهنا انتهى تكليم الله تعالى موسى ــــ عليه السلام ــــ .