Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 45-48)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فصلت الجملتان لوقوعهما موقع المحاورة بين موسى مع أخيه وبين الله تعالى على كلا الوجهين اللذين ذكرناهما آنفاً ، أي جمعا أمرهما وعزم موسى وهارون على الذهاب إلى فرعون فناجيا ربّهما { قَالاَ رَبَّنا إنَّنا نَخَافُ أن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أو أن يَطْغَىٰ } ، لأنّ غالب التفكير في العواقب والموانع يكون عند العزم على الفعل ، والأخذِ في التهيُّؤ له ، ولذلك أُعيد أمرهما بقوله تعالى { فَأْتِيَاهُ } . و { يَفْرُطَ } معناه يعجّل ويسبق ، يقال فَرط يفرُط من باب نصر . والفارط الذي يسبق الواردة إلى الحوض للشرب . والمعنى نخاف أن يعجّل بعِقابنا بالقتل أو غيره من العقوبات قبل أن نبلُغه ونحجّه . والطغيان التظاهر بالتكبر . وتقدم آنفاً عند قوله { اذهب إلى فرعون إنه طغى } طه 24 ، أي نخاف أن يُخامره كبره فيعدّ ذكرنا إلهاً دونه تنقيصاً له وطعْناً في دعواه الإلهية فيطغى ، أي يصدر منه ما هو أثر الكبر من التحقير والإهانة . فذكر الطغيان بعد الفَرط إشارة إلى أنّهما لا يطيقان ذلك ، فهو انتقال من الأشدّ إلى الأضعف لأن { نخاف } يؤول إلى معنى النفي . وفي النفي يذكر الأضعف بعد الأقوى بعكس الإثبات ما لم يوجد ما يقتضي عكس ذلك . وحذف متعلّق { يَطْغَىٰ } فيحتمل أن حذفه لدلالة نظيره عليه ، وأوثر بالحذف لرعاية الفواصل . والتقدير أو أن يطغى علينا . ويحتمل أن متعلّقه ليس نظير المذكور قبله بل هو متعلّق آخر لكون التقسيم التقديري دليلاً عليه ، لأنهما لما ذكر متعلّق { يفرط علينا } وكان الفَرْط شاملاً لأنواع العقوبات حتى الإهانة بالشتم لزم أن يكون التقسيم بأو منظوراً فيه إلى حالة أخرى وهي طغيانه على من لا يناله عقابه ، أي أن يطغى على الله بالتنقيص كقوله { ما علمت لكم من إلٰه غيري } القصص 38 وقوله { لعليّ اطّلِعُ إلى إله موسى } القصص 38 ، فحذف متعلق { يطغى } حينئذ لتنزيهه عن التصريح به في هذا المقام . والتقدير أو أن يطغى عليك فيتصلّب في كفره ويعسر صرفه عنه . وفي التحرز من ذلك غيرة على جانب الله تعالى ، وفيه أيضاً تحرز من رسوخ عقيدة الكفر في نفس الطاغي فيصير الرجاء في إيمانه بعد ذلك أضعف منه فيما قبل ، وتلك مفسدة في نظر الدّين . وحصلت مع ذلك رعاية الفاصلة . قال الله { لاَ تَخَافَا } ، أي لا تخافا حصول شيء من الأمرين ، وهو نهي مكنى به عن نفي وقوع المنهي عنه . وجملة { إنَّنِي مَعَكُمَا } تعليل للنهي عن الخوف الذي هو في معنى النفي ، والمعيّة معيّة حفظ . و { أسْمَعُ وأرىٰ } حالان من ضمير المتكلم ، أي أنا حافظكما من كل ما تخافانه ، وأنا أعلم الأقوال والأعمال فلا أدَعُ عمَلاً أو قولاً تخافانه . ونزل فعلاَ { أسْمَعُ وأرَىٰ } منزلة اللازمين إذ لا غرض لبيان مفعولهما بل المقصود أني لا يخفى عليّ شيء . وفرع عليه إعادة الأمر بالذهاب إلى فرعون . والإتيان الوُصول والحلول ، أي فحُلاّ عنده ، لأنّ الإتيان أثر الذهاب المأمور به في الخطاب السابق ، وكانا قد اقتربا من مكان فرعون لأنهما في مدينته ، فلذا أمِرا بإتيانه ودعوته . وجاءت تثنية رسول على الأصل في مطابقة الوصف الذي يجري عليه في الإفراد وغيره . وفَعول الذي بمعنى مفعول تجوز فيه المطابقة ، كقولهم ناقة طروقَة الفَحل ، وعدم المطابقة كقولهم وَحشية خلوج ، أي اختُلج ولدُها . وجاء الوجهان في نحو رسول وهما وجهان مستويان . ومن مجيئه غير مطابق قوله تعالى في سورة الشعراء 16 { فأتِيا فرعون فقولا إنا رسولُ ربّ العالمين } وسيجيء تحقيق ذلك هنالك إن شاء الله . وأدخل فاء التفريع على طَلب إطلاق بني إسرائيل لأنّه جعل طلب إطلاقهم كالمستقرّ المعلوم عند فرعون إما لأنّه سبقت إشاعَة عزمهما على الحضور عند فرعون لذلك المطلب ، وإما لأنه جعله لأهميته كالمقرّر . وتفريع ذلك على كونهما مرسلَيْن من الله ظاهر ، لأنّ المرسل من الله تجب طاعته . وخصّا الربّ بالإضافة إلى ضمير فرعون قصداً لأقصى الدعوة ، لأنّ كون الله ربّهما معلوم من قولهما { إنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } وكونه ربّ الناس معلوم بالأحْرى لأنّ فرعون علّمهم أنه هو الرب . والتعذيب الذي سألاه الكفّ عنه هو ما كان فرعون يسخّر له بني إسرائيل من الأعمال الشاقّة في الخدمة ، لأنه كان يعُدّ بني إسرائيل كالعبيد والخول جزاء إحلالهم بأرضه . وجملة { قَدْ جِئْنٰكَ بِآيَةٍ مِن رَبّك } فيها بيان لجملة { إنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ } فكانت الأولى إجمالاً والثانية بياناً . وفيها معنى التعليل لتحقيق كونهما مرسلَيْن من الله بما يظهره الله على يد أحدهما من دلائل الصدق . وكلا الغرضين يوجب فصل الجملة عن التي قبلها . واقتصر على أنهما مصاحبان لآيةٍ إظهاراً لكونهما مستعدّيْن لإظهار الآية إذا أراد فرعون ذلك . فأما إن آمن بدون احتياج إلى إظهار الآية يكن إيمانه أكمل ، ولذلك حكي في سورة الأعراف 106 قول فرعون { قال إن كنت جئت بآية فأْت بها إن كنت من الصادقين } وهذه الآية هي انقلاب العصا حيّة ، وقد تبعتها آيات أخرى . والاقتصار على طلب إطلاق بني إسرائيل يدلّ على أن موسى أُرسل لإنقاذ بني إسرائيل وتكوين أمّة مستقلّة بأن يبثّ فيهم الشريعة المصلحة لهم والمقيمة لاستقلالهم وسلطانهم ، ولم يرسل لخطاب القبط بالشريعة ومع ذلك دعا فرعون وقومه إلى التوحيد لأنه يجب عليه تغيير المنكر الذي هو بين ظهرانيه . وأيضاً لأنّ ذلك وسيلة إلى إجابته طلب إطلاق بني إسرائيل . وهذا يؤخذ مما في هذه الآية وما في آية سورة الإسراء وما في آية سورة النازعات والآيات الأخرى . والسّلام السلامة والإكرام . وليس المراد به هنا التحيّة ، إذ ليس ثَمّ معيّن يقصد بالتحيّة . ولا يراد تحيّة فرعون لأنها إنما تكون في ابتداء المواجهة لا في أثناء الكلام ، وهذا ك " قول النبي في كتابه إلى هرقل وغيره أسلمْ تَسْلَمْ " و على للتمكّن ، أي سلامة من اتبع الهدى ثابتة لهم دون ريب . وهذا احتراس ومقدمة للإنذار الذي في قوله { إنَّا قد أُوحِي إلينا أنَّ العَذابَ على مَن كَذَّبَ وتولَّى } ، فقوله { والسلام على من اتّبع الهدى } طه 47 تعريض بأن يطلب فرعون الهدى الذي جاء به موسى ــــ عليه السلام ــــ . وقوله { إنَّا قد أُوْحِيَ إلينا } تعريض لإنذاره على التكذيب قبل حصوله منه ليبلغ الرسالة على أتمّ وجه قبل ظهور رأي فرعون في ذلك حتى لا يجابهه بعد ظهور رأيهِ بتصريح توجيه الإنذار إليه . وهذا من أسلوب القول اللّين الذي أمرهما الله به . وتعريف { العَذَابَ } تعريف الجنس ، فالمعرّف بمنزلة النكرة ، كأنّه قيل إنّ عذاباً على من كذّب . وإطلاق السّلام والعذاب دون تقييد بالدنيا أو الآخرة تعميم للبشارة والنذارة ، قال تعالى في سورة النازعات 25 ، 26 { فأخذه الله نكالَ الآخرة والأولى إنّ في ذلك لعبرةً لمن يخشى } وهذا كلّه كلام الله الذي أمرهما بتبليغه إلى فرعون ، كما يدلّ لذلك تعقيبه بقوله تعالى { قال فمَن ربُّكما يا موسى } طه 49 على أسلوب حكاية المحاورات . وما ذكر من أول القصة إلى هنا لم يتقدّم في السور الماضية .