Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 74-77)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الجمل معترضة بين حكاية قصة السحرة وبين ذكر قصّة خروج بني إسرائيل ، ساقها الله موعظة وتأييداً لمقالة المؤمنين من قوم فرعون . وقيل هي من كلام أولئك المؤمنين . ويبعده أنه لم يحك نظيره عنهم في نظائر هذه القصّة . والمجرم فاعل الجريمة ، وهي المعصية والفعل الخبيث . والمجرم في اصطلاح القرآن هو الكافر ، كقوله تعالى { إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون } المطففين 29 . واللام في { لَهُ جَهَنَّمَ } لامُ الاستحقاق ، أي هو صائر إليها لا محالة ، ويكون عذابه متجدّداً فيها فلا هو ميت لأنّه يُحِس بالعذاب ولا هو حيّ لأنه في حَالةٍ الموتُ أهون منها ، فالحياة المنفية حياة خاصة وهي الحياة الخالصة من العذاب والآلام . وبذلك لم يتناقض نفيها مع نفي الموت ، وهو كقول عبّاس بن مرداس @ وقد كنتُ في الحرب ذَا تُدْرَإٍ فلم أُعْطَ شيئاً ولم أُمنع @@ وليس هذا من قبيل قوله { إنها بقرة لا فارض ولا بكر } البقرة 68 ولا قوله { زيتونة لا شرقية ولا غربية } النور 35 . وأما خلود غير الكافرين في النّار من أهل الكبائر فإن قوله { لا يَمُوتُ فِيهَا ولا يَحْيَىٰ } جعلها غير مشمولة لهذه الآية . ولها أدلّة أخرى اقتضت خلود الكافر وعدم خلود المؤمن العاصي . ونازَعَنَا فيها المعتزلة والخوارج . وليس هذا موضع ذكرها وقد ذكرناها في مواضعها من هذا التفسير . والإتيان باسم الإشارة في قوله { فأولئك لهم الدرجات } للتنبيه على أنهم أحرياء بما يذكر بعد اسم الإشارة من أجل ما سبق اسمَ الإشارة . وتقدم معنى { عَدْن } وتفسير { تجري من تحتها الأنهار } في قوله تعالى { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن } في سورة براءة 72 . والتزكّي التطهر من المعاصي . افتتاح الجملة بحرف التحقيق للاهتمام بالقصة ليلقي السامعون إليها أذهانهم . وتغيير الأسلوب في ابتداء هذه الجملة مؤذن بأن قصصاً طويت بين ذكر القصتين ، فلو اقتصر على حرف العطف لتوهّم أن حكاية القصة الأولى لم تزل متصلة فتُوهم أن الأمر بالخروج وقع موالياً لانتهاء مَحْضَر السحرة ، مع أن بين ذلك قصصاً كثيرة ذُكرت في سورة الأعراف وغيرها ، فإن الخروج وقع بعد ظهور آيات كثيرة لإرهاب فرعون كلما همّ بإطلاق بني إسرائيل للخروج . ثمّ نكَل إلى أن أذن لهم بأخَرَة فخرجوا ثمّ ندم على ذلك فأتبعهم . فجملة { ولقَدْ أوْحَيْنَا إلى مُوسَىٰ } ابتدائية ، والواو عاطفة قصة على قصة وليست عاطفة بعض أجزاء قصة على بعض آخر . و { اسْرِ } أمرٌ من السُرَى بضم السين وفتح الراء وتقدّم في سورة الإسراء أنه يقال سَرَى وأسرى . وإنما أمره الله بذلك تجنّباً لنكول فرعون عليهم . والإضافة في قوله { بِعِبَادي } لتشريفهم وتقريبهم والإيماءِ إلى تخليصهم من استعباد القبط وأنهم ليسُوا عبيداً لفرعون . والضرب هنا بمعنى الجَعْل كقولهم ضَرَب الذهبَ دنانير . وفي الحديث " واضربوا إليّ معكم بسهم " ، وليس هو كقوله { أن اضْرِب بعصاك البحر } الشعراء 63 لأنّ الضرب هنالك متعد إلى البحر وهنا نصَب طريقا . واليَبَس ــــ بفتح المثناة والموحدة ــــ . ويقال ــــ بسكون الموحدة ــــ وصف بمعنى اليابس . وأصله مصدر كالعَدَم والعُدْم ، وصف به للمبالغة ولذلك لا يؤنث فقالوا ناقة يَبَس إذا جفّ لبنها . و { لا تخافُ } مرفوع في قراءة الجمهور ، وعدٌ لموسى اقتصر على وعده دون بقية قومه لأنه قدوتهم فإذا لم يخف هو تشجعوا وقوي يقينهم ، فهو خبر مراد به البُشرى . والجملة في موضع الحال . وقرأ حمزة وحده لا تَخَفْ على جواب الأمر الذي في قوله { فاضرب } ، وكلمة { تَخَفْ } مكتوبة في المصاحف بدون ألف لتكون قراءتها بالوجهين لكثرة نظائر هذه الكلمة ذات الألف في وسطها في رسم المصحف ويسميه المؤدبون « المحذوفَ » . وأما قوله { وَلاَ تَخْشَىٰ } فالإجماع على قراءته بألف في آخره . فوجه قراءة حمزة فيها مع أنّه قرأ بجزم المعطوف عليه أن تكون الألف للإطلاق لأجل الفواصل مثل ألف { فأضلونا السبيلا } الأحزاب 67 وألف { وتظنون بالله الظُنونا } الأحزاب 10 ، أو أن تكون الواو في قوله { ولا تخشى } للاستئناف لا للعطف . و { الدّرَك } بفتحتين اسم مصدر الإدراك ، أي لا تخاف أن يدركك فرعون . والخشية شدّة الخوف . وحذف مفعوله لإفادة العموم ، أي لا تخشى شيئاً ، وهو عامّ مراد به الخصوص ، أي لا تخشى شيئاً مما يخشى من العدوّ ولا من الغرق .