Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 57-61)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا الكلام مقابل ما تضمنته الغمرة من قوله { فذرهم في غمرتهم } المؤمنون 54 من الإعراض عن عبادة الله وعن التصديق بآياته ، ومن إشراكهم آلهة مع الله ، ومن شحهم عن الضعفاء وإنفاق مالهم في اللذات ، ومن تكذيبهم بالبعث . كل ذلك مما شملته الغمرة فجيء في مقابلها بذكر أحوال المؤمنين ثناء عليهم ، ألا ترى إلى قوله بعد هذا { بل قلوبهم في غمرة من هذا } المؤمنون 63 . فكانت هذه الجملة كالتفصيل لإجمال الغمرة مع إفادة المقابلة بأحوال المؤمنين . واختير أن يكون التفصيل بذكر المقابل لحسن تلك الصفات وقبح أضدادها تنزيها للذكر عن تعداد رذائلهم ، فحصل بهذا إيجاز بديع ، وطباق من ألطف البديع ، وصون للفصاحة من كراهة الوصف الشنيع . وافتتاح الجملة بــــ { إن } للاهتمام بالخبر ، والإتيان بالموصولات للإيماء إلى وجه بناء الخبر وهو أنهم يسارعون في الخيرات ويسابقون إليها وتكرير أسماء الموصولات للاهتمام بكل صلة من صلاتها فلا تذكر تبعاً بالعطف . والمقصود الفريق الذين اتصفوا بصلة من هذه الصلات . ومن في قوله { من خشية ربهم } للتعليل . والإشفاق توقع المكروه وتقدم عند قوله تعالى { وهم من خشيته مشفقون } في سورة الأنبياء 28 . وقد حذف المتوقع منه لظهور أنه هو الذي كان الإشفاق بسبب خشيته ، أي يتوقعون غضبه وعقابه . والمراد بالآيات الدلائل التي تضمنها القرآن ومنها إعجاز القرآن . والمعنى أنهم لخشية ربهم يخافون عقابه ، فحذف متعلق { مشفقون } لدلالة السياق عليه . وتقديم المجرورات الثلاثة على عواملها للرعاية على الفواصل مع الاهتمام بمضمونها . ومعنى { يؤتون ما آتوا } يُعطون الأموال صدقات وصلات ونفقات في سبيل الله . قال تعالى { وآتى المال على حبه ذوي القربى } البقرة 177 الآية وقال { وويل للمشركين الذين لا يُؤتُون الزكاة } فصلت 6 ، 7 . واستعمال الإيتاء في إعطاء المال شائع في القرآن متعين أنه المراد هنا . وإنما عُبر بــــ { ما آتوا } دون الصدقات أو الأموال ليعم كل أصناف العطاء المطلوب شرعاً وليعم القليل والكثير ، فلعل بعض المؤمنين ليس له من المال ما تجب فيه الزكاة وهو يعطي مما يكسب . وجملة { وقلوبهم وجلة } في موضع الحال وحق الحال إذا جاءت بعد جمل متعاطفة أن تعود إلى جميع الجمل التي قبلها ، أي يفعلون ما ذكر من الأعمال الصالحة بقلوبهم وجوارحهم وهم مضمرون وجَلاً وخوفاً من ربهم أن يرجعوا إليه فلا يجدونه راضياً عنهم ، أو لا يجدون ما يجده غيرهم ممن يفوتهم في الصالحات ، فهم لذلك يسارعون في الخيرات ويكثرون منها ما استطاعوا وكذلك كان شأن المسلمين الأولين . وفي الحديث " أن أهل الصّفة قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم . قال أو ليس قد جعل الله لكم ما تصّدّقون به ، إن لكم بكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة " . وقال أبو مسعود الأنصاري لما أمرنا بالصدقة كما نحامل فيصيب أحدنا المد فيتصدق به . ومما يشير إلى معنى هذه الآية قوله تعالى { ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً } الإنسان 8 ـــ 10 الآيات . وخبر { إن } جملة { أولئك يسارعون في الخيرات } . وافتتح باسم الإشارة لزيادة تمييزهم للسامعين لأن مثلهم أحرياء بأن يعرفوا . وتقدم الكلام على معنى { يسارعون في الخيرات } آنفاً . ومعنى { وهم لها سابقون } أنهم يتنافسون في الإكثار من أعمال الخير ، فالسبق تمثيل للتنافس والتفاوت في الإكثار من الخيرات بحال السابق إلى الغاية ، أو المعنى وهم محرزون لما حرصوا عليهم ، فالسبق مجاز لإحراز المطلوب لأن الإحراز من لوازم السبق . وعلى التقديرين فاللام بمعنى إلى . وقد قيل إن فعل السبق يتعدى باللام كما يتعدى بــــإلى . وتقديم المجرور للاهتمام ولرعاية الفاصلة .