Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 18-18)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
استئناف وتمهيد لقوله { إن الدين عند اللَّه الإسلام } آل عمران 19 ذلك أنّ أساس الإسلام هو توحيد الله ، وإعلان هذا التوحيد ، وتخليصه من شوائب الإشراك ، وفيه تعريض بالمشركين وبالنصارى واليهود ، وإن تفاوَتوا في مراتب الإشراك ، وفيه ضرب من ردّ العجز على الصدر لأنّه يؤكد ما افتتحت به السورة من قوله { الله لا إلٰه إلا هو الحي القيوم ، نزل عليك الكتاب بالحق } آل عمران 2 ، 3 . والشهادة حقيقتها خبر يصدَّق به خَبَرُ مُخْبِرٍ وقد يكذّب به خبرُ آخرَ كما تقدم عند قوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } في سورة البقرة 282 . وإذ قد كان شأنه أن يكون للتصديق والتكذيب في الحقوق ، كان مظنّة اهتمام المخبِر به والتثبّتِ فيه ، فلذلك أطلق مجازاً على الخبر الذي لا ينبغي أن يشكّ فيه قال تعالى { واللَّه يشهد إن المنافقين لكاذبون } المنافقون 1 وذلك على سبيل المجاز المرسل بعلاقة التلازم ، فشهادة اللَّه تحقيقُه وحدانيتَه بالدلائل التي نصبها على ذلك ، وشهادةُ الملائكة تحقيقهم ذلك فيما بينهم ، وتبليغ بعضهم ذلك إلى الرسل ، وشهادة أولي العلم تحقيقهم ذلك بالحجج والأدلة . فإطلاق الشهادة على هذه الأخبار مجاز بعلاقة اللزوم ، أو تشبيه الإخبار بالإخبار أو المخبِر بالمخبِر ، ولك أن تجعل « شهد » بمعنى بيَّن وأقام الأدلة ، شُبه إقامة الأدلة على وحدانيته من إيجاد المخلوقات ونصب الأدلة العقلية ، بشهادة الشاهد بتصديق الدعوى في البيان والكشف على طريق الاستعارة التَبعية ، وبَيّن ذلك الملائكة بما نَزَلوا به من الوحي على الرسل ، وما نطقوا به من محامد ، وبيَّن ذلك أولو العلم بما أقاموا من الحجج على الملاحدة ، ولك أن تجعل شهادة الله بمعنى الدلالة ونصب الأدلة ، وشهادة الملائكة وأولي العلم بمعنى آخر وهو الإقرار أو بمعنيين إقرار الملائكة ، واحتجاج أولي العلم ، ثم تِبْنيَه على استعمال شهد في معانٍ مجازية ، مثل { إنّ الله وملائكته يصلّون } الأحزاب 56 ، أو على استعمال شهد في مجاز أعم ، وهو الإظهار ، حتى يكون نصب الأدلة والإقرار والاحتجاج من أفراد ذلك العام ، بناء على عموم المجاز . وانتصب { قائماً بالقسط } على الحال من الضمير في قوله { إلاّ هو } أي شهد بوحدانيته وقيامِه بالعدل ، ويجوز أن يكون حالاً من اسم الجلالة من قوله { شهد الله } فيكون حالاً مؤكدة لمضمون شهد لأنّ الشهادة هذه قيام بالقسط ، فالشاهد بها قائم بالقسط ، قال تعالى { كونوا قوامين للَّه شهداء بالقسط } المائدة 8 . وزعم ابن هشام في الباب الرابع أنّ كونه حالاً مؤكدة وهَم ، وعلّله بما هو وهَم . وقد ذكر الشيخ محمد الرصاع جريان بحث في إعرَاب مثل هذه الحال من سورة الصف في درس شيخه محمد ابن عقاب . والقيام هنا بمعنى المواظبة كقوله { أفمن هو قائم على كلّ نفس بما كسبت } الرعد 33 وقوله { ليقوم الناس بالقسط } الحديد 25 وتقول الأمير قائم بمصالح الأمة ، كما تقول ساهر عليها ، ومنه « إقام الصلاة » وقول أيمن بن خُريم الأنصاري @ أقامتْ غَزالةُ سُوقَ الضِّراب لأِهْل العِراقَيْنِ حَوْلاً قميطاً @@ وهو في الجميع تمثيل . والقسط العدل وهو مختصر من القسطاس ــــــ بضم القاف ــــــ روى البخاري عن مجاهد أنّه قال القسطاس العدل بالرومية وهذه الكلمة ثابتة في اللغات الرومية وهي من اللاطينية ، ويطلق القسط والقسطاس على الميزان ، لأنّه آلة للعدل قال تعالى { وزنوا بالقسطاس المستقيم } الإسراء 35 وقال { ونضع الموازين القِسط ليوم القيامة } الأنبياء 47 . وقد أقام الله القسط في تكوين العوالم على نُظُمها ، وفي تقدير بقاء الأنواع ، وإيداع أسباب المدافعة في نفوس الموجودات ، وفيما شرع للبشر من الشرائع في الاعتقاد والعمل لدفع ظلم بعضهم بعضاً ، وظلمِهم أنفسَهم ، فهو القائم بالعدل سبحانه ، وعَدْل الناس مقتبس من محاكاة عدله . وقوله { لا إلٰه إلا هو } تمجيد وتصديق ، نشأ عن شهادة الموجودات كلّها له بذلك فهو تلقينُ الإقرار له بذلك على نحو قوله تعالى { إن الله وملائكته يصلّون على النبي يأيها الذين ءامنوا صلّوا عليه وسلموا تسليماً } الأحزاب 56 أي اقتداء بالله وملائكته ، على أنّه يفيد مع ذلك تأكيد الجملة السابقة ، ويمهّد لوصفه تعالى بالعزيز الحكيم .