Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 38-39)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

جملة { إن الله عالم غيب السماوات والأرض } استئناف واصل بين جملة { إن الله بعباده لخبير بصير } فاطر 31 وبين جملة { قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض } فاطر 40 الآية ، فتسلسلت معانيه فعاد إلى فذلكة الغرض السالف المنتقل عنه من قوله { وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم } فاطر 25 إلى قوله { إن اللَّه بعباده لخبير بصير } فاطر 31 ، فكانت جملة { إن الله عالم غيب السماوات والأرض } كالتذييل لجملة { إن اللَّه بعباده لخبير بصير } . وفي هذا إيماء إلى أن الله يجازي كل ذي نية على حسب ما أضمره ليزداد النبي صلى الله عليه وسلم يقيناً بأن الله غير عالم بما يكنه المشركون . وجملة { إنه عليم بذات الصدور } مستأنفة هي كالنتيجة لِجملة { إن الله عالم غيب السماوات والأرض } لأن ما في الصدور من الأمور المغيبة فيلزم من علم الله بغيب السموات والأرض علمه بما في صدور الناس . و « ذات الصدور » ضمائر الناس ونِيَّاتهم ، وتقدم عند قوله تعالى { إنه عليم بذات الصدور } في سورة الأنفال 43 . وجيء في الإِخبار بعلم الله بالغيب بصيغة اسم الفاعل ، وفي الإِخبار بعلمه بذات الصدور بصيغة المبالغة لأن المقصود من إخبار المخاطبين تنبيههم على أنه كناية عن انتفاء أن يفوت علمَه تعالى شيءٌ . وذلك كناية عن الجزاء عليه فهي كناية رمزية . وجملة هو الذي جعلكم خلائف في الأرض معترضة بين جملة { إن الله عالم غيب السماوات والأرض } الآية وبين جملة { فمن كفر فعليه كفره } . والخلائف جمع خليفة ، وهو الذي يخلف غيره في أمرٍ كانَ لذلك الغير ، كما تقدم عند قوله تعالى { إني جاعل في الأرض خليفة } في سورة البقرة 30 ، فيجوز أن يكون بعدَ أمم مضت كما في قوله { ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم } في سورة يونس 14 فيَكون هذا بياناً لقوله إن الله عالم غيب السماوات والأرض أي هو الذي أوجدكم في الأرض فكيف لا يعلم ما غاب في قلوبكم كما قال تعالى { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } الملك 14 ويكون مَا صْدَف ضمير جماعة المخاطبين شاملاً للمؤمنين وغيرهم من الناس . ويجوز أن يكون المعنى هو الذي جعلكم متصرفين في الأرض ، كقوله تعالى { ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون } الأعراف 129 ، فيكون الكلام بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الله قدّر أن يَكون المسلمون أهل سلطان في الأرض بعد أمم تداولت سيادة العالم ويُظهر بذلك دين الإِسلام على الدين كله . والجملة الاسمية مفيدة تقوّي الحكم الذي هو جعل الله المخاطبين خلائف في الأرض . وقد تفرّع على قوله { عليم بذات الصدور } قولُه { فمن كفر فعليه كفره } وهو شرط مستعمل كناية عن عدم الاهتمام بأمر دَوامهم على الكفر . وجملة { ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتاً } بيان لجملة { فمن كفر فعليه كفره } وكان مقتضى ظاهر هذا المعنى أن لا تعطف عليها لأن البيان لا يعطف على المبيَّن ، وإنما خولف ذلك للدلالة على الاهتمام بهذا البيان فجعل مستقلاً بالقصد إلى الإِخبار به فعطفت على الجملة المبيَّنة بمضمونها تنبيهاً على ذلك الاستقلال ، وهذا مقصد يفوت لو ترك العطف ، أما ما تفيده مِن البيان فهو أمر لا يفوت لأنه تقتضيه نسبة معنى الجملة الثانية من معنى الجملة الأولى . والمقت البغض مع خزي وصغار ، وتقدم عند قوله تعالى { إنه كان فاحشةً ومقتاً وساء سبيلاً } في سورة النساء 22 ، أي يزيدهم مقتَ الله إياهم ، ومقت الله مجاز عن لازمه وهو إمساك لطفه عنهم وجزاؤهم بأشد العقاب . وتركيب جملة { ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتاً } تركيب عجيب لأن ظاهره يقتضي أن الكافرين كانوا قبل الكفر ممقوتين عند الله فلما كفروا زادهم كفرهم مقتاً عنده ، في حال أن الكفر هو سبب مقت الله إياهم ، ولو لم يكفروا لما مقتهم الله . فتأويل الآية أنهم لمَّا وصفوا بالكفر ابتداءً ثم أخبر بأن كفرهم يزيدهم مقتاً عُلم أن المراد بكفرهم الثاني الدوام على الكفر يوماً بعد يوم ، وقد كان المشركون يتكبّرون على المسلمين ويُشاقونهم ويؤيسونهم من الطماعية في أن يقبَلوا الإِسلام بأنهم أعظم من أن يتبعوهم وأنهم لا يفارقون دين آبائهم ، ويحسبون ذلك مقتاً منهم للمسلمين فجازاهم الله بزيادة المقت على استمرار الكفر ، قال تعالى { إن الذين كفروا ينادون لمقت اللَّه أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون } غافر 10 ، يعني ينادَون في المحشر ، وكذلك القول في معنى قوله { ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خساراً } . والخَسار مصدر خسر مثل الخسارة ، وهو نقصان التجارة . واستعير لخيبة العمل شبه عملهم في الكفر بعمل التاجر والخاسر ، أي الذي بارت سلعته فباع بأقل مما اشتراها به فأصابه الخسار فكلما زاد بيعاً زادت خسارته حتى تفضي به إلى الإِفلاس ، وقد تقدم ذلك في آيات كثيرة منها ما في سورة البقرة .