Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 168-169)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الجملة بيان لجملة { قد ضلّوا ضلالاً بعيداً } النساء 167 ، لأنّ السامع يترقّب معرفة جزاء هذا الضلال قبيّنته هذه الجملة . وإعادة الموصول وصلته دون أن يذكر ضميرهم لتُبنَى عليه صلة { وظلموا } ، ولأنّ في تكرير الصّلة تنديداً عليهم . ويجيء على الوجهين في المراد من الذين كفروا في الآية الّتي قبلها أن يكون عطْفُ الظلممِ على الكفر في قوله { إن الذين كفروا وظلموا } إمَّا أن يراد به ظلم النّفس ، وظلم النبي والمسلمين ، وذلك اللائق بأهل الكتاب وإمَّا أن يراد به الشرك ، كما هو شائع في استْعمال القرآن كقوله { إنّ الشرك لظلم عظيم } لقمان 13 ، فيكون من عطف الأخصّ على الأعمّ في الأنواع وإمّا أن يراد به التعدّي على النّاس ، كظلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجه من أرضه ، وتأليب النّاس عليه ، وغير ذلك ، وظلمهم المؤمنين بتعذيبهم في الله ، وإخراجهم ، ومصادرتهم في أموالهم ، ومعاملتهم بالنفاق والسخريّة والخداع وإمّا أن يراد به ارتكاب المفاسد والجرائم ممّا استقرّ عند أهل العقول أنَّه ظلم وعدوان . وقوله { لم يكن الله ليغفر لهم } صيغة جحود ، وقد تقدّم بيانها عند قوله تعالى { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب } في سورة آل عمران 79 ، فهي تقتضي تحقيق النفي ، وقد نفي عن الله أن يغفر لهم تحذيراً من البقاء على الكفر والظلم ، لأنّ هذا الحكم نِيط بالوصف ولم يُنط بأشخاص معروفين ، فإن هم أقلعوا عن الكفر والظلم لم يكونوا من الَّذين كفروا وظلموا . ومعنى نفي أن يهديهم طريقاً إن كان طريقاً يومَ القيامة فهو واضح أي لا يهديهم طريقاً يوصلهم إلى مكان إلاّ طريقاً يوصل إلى جهنّم . ويجوز أن يراد من الطريق الآيات في الدنيا ، كقوله { اهدنا الصراط المستقيم } الفاتحة 6 . فنفي هديهم إليه إنذار بأنّ الكفر والظلم من شأنهما أن يخيّما على القلب بغشاوة تمنعه من وصول الهدي إليه ، ليحذر المتلبّس بالكفر والظلم من التوغّل فيهما ، فلعلَّه أن يصبح ولا مخلّص له منهما . ونفي هدى الله أيّاهم على هذا الوجه مجاز عقلي في نفي تيسير أسباب الهدى بحسب قانون حصول الأسباب وحصول آثارها بعدها . وعلى أي الاحتمالين فتوبة الكافر الظالم بالإيمان مقبولة ، وكثيراً ما آمن الكافرون الظالمون وحسن إيمانهم ، وآيات قبول التّوبة ، وكذلك مشاهدة الواقع ، ممّا يهدي إلى تأويل هذه الآية ، وتقدّم نظير هذه الآية قريباً ، أي { الذين آمنوا ثُمّ كفروا } النساء 137 الآية . وقوله { إلا طريق جهنم } استثناء متّصل إن كان الطريق الذي نفي هديهم إليه الطريقَ الحقيقي ، ومنقطع إن أريد بالطريق الأوّل الهدى . وفي هذا الاستثناء تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه لأنّ الكلام مسوق للإنذار ، والاستثناء فيه رائحة إطماع ، ثُمّ إذا سمع المستثنى تبيّن أنّه من قبيل الإنذار . وفيه تهكّم لأنّه استثنى من الطريق المعمول { لِيَهْدِيهم } ، وليس الإقحام بهم في طريق جهنّم بهدي لأنّ الهدي هو إرشاد الضالّ إلى المكان المحبوب . ولذلك عقّبه بقوله { وكان ذلك } أي الإقحام بهم في طريق النّار على الله يسيراً إذ لا يعجزه شيء ، وإذ هم عبيده يصرفهم إلى حيث يشاء .