Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 170-170)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد استفراغ الحِوار مع أهل الكتاب ، ثُمّ خطاب أهل الكفر بما هو صالح لأن يكون شاملاً لأهل الكتاب ، وجّه الخطاب إلى النّاس جميعاً ليكون تذييلاً وتأكيداً لما سبقه ، إذ قد تهيَّأ من القوارع السالفة ما قامت به الحجَّة ، واتّسعت المحَجَّة ، فكان المقام للأمر باتّباع الرسول والإيمان . وكذلك شأن الخطيب إذا تهيّأت الأسماع ، ولانت الطباع . ويسمَّى هذا بالمقصد من الخطاب ، وما يتقدّمه بالمقدّمة . على أنّ الخطاب بيأيُّها النّاس يعني خصوص المشركين في الغالب ، وهو المناسب لقوله { فآمنوا خيراً لكم } . والتعريف في { الرسول } للعهد ، وهو المعهود بين ظهرانيهم . والحقّ هو الشريعة والقرآن ، و { من ربّكم } متعلّق بـــ { جاءكم } ، أو صفة للحقّ ، ومن للابتداء المجازي فيهما ، وتعدية جاء إلى ضمير المخاطبين ترغيب لهم في الإيمان لأنّ الذي يجيء مهتمّاً بناس يكون حقّاً عليهم أن يتّبعوه ، وأيضاً في طريق الإضافة من قوله { ربّكم } ترغيب ثان لما تدلّ عليه من اختصاصهم بهذا الدّين الذي هو آت من ربّهم ، فلذلك أتي بالأمر بالإيمان مفرّعاً على هاته الجمل بقوله { فآمنوا خيراً لكم } . وانتصب { خيراً } على تعلّقه بمحذوف لازم الحذف في كلامهم لكثرة الاستعمال ، فجَرى مجرى الأمثال ، وذلك فيما دلّ على الأمر والنهي من الكلام نحو { انْتهوا خيراً لكم } النساء 171 ، ووراءك أوسعَ لك ، أي تأخّر ، وحسبك خيراً لك ، وقول عمر بن أبي ربيعة @ فواعديه سَرْحَتَيْ مالِك أو الرّبى بينهما . أسْهَلا @@ فنصبه ممّا لم يُخْتَلف فيه عن العرب ، واتّفق عليه أيمّة النحو ، وإنَّما اختلفوا في المحذوف فجعله الخليل وسيبويه فعلا أمراً مدلولاً عليه من سياق الكلام ، تقديره ايت أو اقصد ، قالا لأنّك لمّا قلت له انته ، أو افعل ، أو حسبُك ، فأنتَ تحمله على شيء آخر أفضل له . وقال الفرّاء من الكوفيّين هو في مثله صفة مصدر محذوف ، وهو لا يتأتّى فيما كان منتصباً بعد نهي ، ولا فيما كان منتصباً بعد غير متصرّف ، نحو وراءَك وحسبُك . وقال الكسائي والكوفيّون نصب بكان محذوفة مع خبَرها ، والتقدير يكن خيراً . وعندي أنّه منصوب على الحال من المصدر الذي تضمّنه الفعل ، وحْدَه ، أو مع حرف النهي ، والتقدير فآمنوا حال كون الإيمان خيراً ، وحسبك حال كون الاكتفاء خيراً ، ولا تفعل كذا حال كون الانتهاء خيراً . وعود الحال إلى مصدر الفعل في مثله كعود الضمير إليه في قوله { اعدلوا هو أقرب للتقوى } المائدة 8 ، لا سيما وقد جرى هذا مجرى الأمثال ، وشأن الأمثال قّوة الإيجاز . وقد قال بذلك بعض الكوفيين وأبو البقاء . وقوله { وإن تكفروا } أريد به أن تبقوا على كفركم . وقوله { فإنّ لله ما في السمٰوات الأرض } هو دليل على جواب الشرط ، والجواب محذوف لأنّ التقدير إن تكفروا فإنّ الله غنيّ عن إيمانكم لأنّ لله ما في السمٰوات وما في الأرض ، وصرّح بما حذف هُنا في سورة الزمر 7 في قوله تعالى { إن تكفروا فإنّ الله غنيّ عنكم } وفيه تعريض بالمخاطبين ، أي أنّ كفركم لا يفلتكم من عقابه ، لأنَّكم عبيده ، لأنّ له ما في السماوات وما في الأرض .