Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 25-28)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَـٰكِهِينَ كَذَٰلِكَ } . استئناف ابتدائي مسوق للعبرة بعواقب الظالمين المغرورين بما هم فيه من النعمة والقوة ، غروراً أنساهم مراقبة الله فيما يرضيه ، فموقع هذا الاستئناف موقع النتيجة من الدليل أو البيان من الإجمال لما في قوله { ولقد فتنَّا قبلهم قوم فرعون } الدخان 17 من التنظير الإجمالي . وضمير { تركوا } عائد إلى ما عاد إليه ضمير { إنهم جند مغرقون } الدخان 24 . والترك حقيقته إلقاء شيء في مَكانٍ منتقلَ عنه إبقاء اختيارياً ، ويطلق مجازاً على مفارقة المكان والشيءِ الذي في مكانٍ غلبة دون اختيار وهو مجاز مشهور يقال ترك الميت مالاً ، ومنه سمي مخلف الميت تركة وهو هنا من هذا القبيل . وفعل { تركوا } مؤذن بأنهم أغرقوا وأعدموا ، وذلك مقتضى أن ما أمر الله به موسى من الإسراء ببني إسرائيل وما معه من اتباع فرعون إياهم وانفلاق البحر وإزلاف بني إسرائيل واقتحام فرعون بجنوده البحر ، وانضمام البحر عليهم قد تم ، ففي الكلام إيجازُ حذفِ جمل كثيرة يدل عليها { كم تركوا } . و { كم } اسم لعدد كثير مُبهم يفسِّر نوعَه مميزٌ بعد { كم } مجرورٌ بــ { من } مذكورةٍ أو محذوفة . وحكم { كم } كالأسماء تكون على حسب العوامل . وإذ كان لها صدر الكلام لأنها في الأصل استفهام فلا تكون خبرَ مبتدأ ولا خبرَ كان ولا إنّ وإذا كانت معمولة للأفعال وجب تقديمها على عاملها . وانتصب { كم } هنا على المفعول به لــ { تركوا } أي تركوا كثيراً من جنات . و { مِن } مميزة لمبهم العدد في { كم } . والمَقام بفتح الميم مكان القيام ، والقيام هنا مجاز في معنى التمكن من المكان . والكريم من كل نوع أنفسه وخيره ، والمراد به المساكن والديار والأسواق ونحوها مما كان لهم في مدينة منفسين . والنَّعمة بفتح النون اسم للتنعم مصُوغ على وزنة المرة . وليس المراد به المرة بل مطلق المصدر باعتبار أن مجموع أحوال النعيم صار كالشيء الواحد وهو أبلغ وأجمع في تصوير معنى المصدر ، وهذا هو المناسب لِفِعْلِ { تركوا } لأن المتروك هو أشخاص الأمور التي ينعم بها وليس المتروك وهو المعنى المصدري . و { فاكهين } متصفين بالفُكاهة بضم الفاء وهي اللعب والمزح ، أي كانوا مغمورين في النعمة لاعبين في تلك النعمة . وقرأ الجمهور { فاكهين } بصيغة اسم الفاعل . وقرأه حفص وأبو جعفر { فَكِهين } بدون ألف على أنه صفة مشبهة . وقوله { كذلك } راجع لفعل { تركوا } . والتقدير تركاً مثل ذلك الترك . والإشارة إلى مقدر دل عليه الكلام ومعنى الكاف ، وهذا التركيب تقدم الكلام عليه عند قوله { كذلك وقد أحطنا بما لديه خُبراً } في سورة الكهف 91 . { وَأَوْرَثْنَـٰهَا قَوْماً آخَرِينَ } . عطف على { تركوا } أي تركوها وأورثناها غيرهم ، أي لفرعون الذي وُلي بعد موت منفطا وسمي صطفا منفطا وهو أحد أُمراء فرعون منفطا تزوج ابنة منفطا المسماةَ طُوسِير التي خلفت أباها منفطا على عرش مصر ، ولكونه من غير نسل فرعون وُصف هو وَجُندُه بقوم آخرين ، وليس المراد بقوله { قوماً آخرين } قوماً من بني إسرائيل ، ألا ترى أنه أعيد الاسم الظاهر في قوله عقبه { ولقد نجينا بني إسرائيل } الدخان 30 ، ولم يقل ولقد نجيناهم . ووقع في آية الشعراء { فأخرجناهم من جناتٍ وعيونٍ وكنوزٍ ومقامٍ كريمٍ كذلك وَأورثناها بني إسرائيل } الشعراء 57 ـــ 59 والمراد هنالك أن أنواعاً مما أخرجنا منه قومَ فرعون أورثناها بني إسرائيل ، ولم يُقصد أنواعُ تلك الأشياء في خصوص أرض فرعون . ومناسبة ذلك هنالك أن القومَين أخرجا مما كانا فيه ، فسُلب أحد الفريقين ما كان له دون إعادة لأنهم هلكوا ، وأعطي الفريق الآخَر أمثال ذلك في أرض فلسطين ، ففي قوله { وأورثناها } تشبيه بليغ وانظر آية سورة الشعراء .