Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 43-45)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أتبعت قصة عاد بقصة ثمود لتقارنهما غالباً في القرآن من أجل أن ثمود عاصرت عاداً وخَلفتها في عظمة الأمم ، قال تعالى { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عَاد } الأعراف 74 ولاشتهارهما بين العرب . و { في ثمود } عطف على { في عاد } أو على { تركنا فيها آية } . والمعنى وتركنا آية للمؤمنين في ثمود في حال قد أخذتهم الصاعقة ، أي في دلالة أخذ الصاعقة إياهم ، على أن سببه هو إشراكهم وتكذيبهم وعتوّهم عن أمر ربهم ، فالمؤمنون اعتبروا بتلك فسلكوا مسلك النجاة من عواقبها ، وأما المشركون فإصرارهم على كفرهم سيوقعهم في عذاب من جنس ما وقعت فيه ثمود . وهذا القول الذي ذكر هنا هو كلام جامع لما أنذرهم به صالح رسولهم وذكّرهم به من نحو قوله { وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً } الأعراف 74 وقوله { أتتركون فيما ها هنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم } الشعراء 146 ـــ 148 وقوله { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها } هود 61 . ونحو ذلك مما يدل على أنهم أعطوا ما هو متاع ، أي نفع في الدنيا فإن منافع الدنيا زائلة ، فكانت الأقوال التي قالها رسولهم تذكيراً بنعمة الله عليهم يجمعها { تمتعوا حتى حين } ، على أنه يجوز أن يكون رسولهم قال لهم هذه الكلمة الجامعة ولم تُحك في القرآن إلا في هذا الموضع ، فقد علمتَ من المقدمة السابعة من مقدمات هذا التفسير أن أخبار الأمم تأتي مُوزعة على قصصهم في القرآن . فقوله { تمتَّعوا } أمر مستعمل في إباحة المتاع . وقد جعل المتاع بمعنى النعمة في مواضع كثيرة كقوله تعالى { وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع } الرعد 26 قوله { وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين } الأنبياء 111 . والمراد بــــ { حين } زمن مبهم ، جعل نهاية لما مُتّعوا به من النعم فإن نعم الدنيا زائلة ، وذلك الأجل إما أن يراد به أجل كل واحد منهم الذي تنتهي إليه حياته ، وإمّا أن يراد به أجل الأمة الذي ينتهي إليه بقاؤها . وهذا نحو قوله { يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى } هود 3 فكما قاله الله للناس على لسان محمد صلى الله عليه وسلم لعله قاله لثمود على لسان صالح عليه السلام . وليس قوله { إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين } بمشير إلى قوله في الآية الأخرى { فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام } هود 65 ونحوه لأن ذلك الأمر مستعمل في الإِنذار والتأييس من النجاة بعد ثلاثة أيام فلا يكون لقوله بعده { فعتوا عن أمر ربهم } مناسبة لتعقيبه به بالفاء لأن الترْتيب الذي تفيده الفاء يقتضي أن ما بعدها مرتب في الوجود على ما قبلها . والعتوّ الكِبر والشدة . وضمن « عَتَوْا » معنى أَعرضوا ، فعدي بــــ عن ، أي فأعرضوا عما أمرهم الله على لسان رسوله صالح عليه السلام . وأخذ الصاعقة إياهم إصابتها إياهم إصابة تشبه أخذ العدوّ عدوه . وجملة { وهم ينظرون } حال من ضمير النصْب في { أخذتهم } ، أي أخذتهم في حال نظرهم إلى نزولها ، لأنهم لما رأوا بوارقها الشديدة علموا أنها غير معتادة فاستشرفوا ينظرون إلى السحاب فنزلت عليهم الصاعقة وهم ينظرون ، وذلك هول عظيم زيادة في العذاب فإن النظر إلى النقمة يزيد صاحبها ألماً كما أن النظر إلى النعمة يزيد المنعم مسرّة ، قال تعالى { وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون } البقرة 50 . وقرأ الكسائي « الصعقة » بدون ألف . وقوله { فما استطاعوا من قيام } تفريع على { وهم ينظرون } ، أي فما استطاعوا أن يدفعوا ذلك حين رؤيتِهم بوادرَه . فالقيام مجاز للدفاع كما يقال هذا أمر لا يقوم له أحد ، أي لا يدفعه أحد . وفي الحديث " غَضِب غضباً لا يقوم له أحد " ، أي فما استطاعوا أيّ دفاع لذلك . وقوله { وما كانوا منتصرين } أي لم ينصرهم ناصر حتى يكونوا منتصرين لأن انتصر مطاوع نصر ، أي ما نصرهم أحد فانتصروا .