Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 23-25)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القول في موقع جملة { كذبت ثمود بالنذر } كالقول في موقع جملة { كذبت عاد } القمر 18 . وكذلك القول في إسناد حكم التكذيب إلى ثمود وهو اسم القبيلة معتبر فيه الغالب الكثير . فإن صالحاً قد آمن به نفر قليل كما حكاه الله عنهم في سورة الأعراف . وثمود ممنوع من الصرف باعتبار العلمية والتأنيث المعنوي ، أي على تأويل الاسم بالقبيلة . والنذر جمع نذير الذي هو اسم مصدر أنذر ، أي كذبوا بالإِنذارات التي أنذرهم الله بها على لسان رسوله . وليس النُذر هنا بصالح لحمله على جمْع النذير بمعنى المُنذر لأن فعل التكذيب إذا تعدى إلى الشخص المنسوب إلى الكذب تعدى إلى اسمه بدون حرف قال تعالى { فكذبوا رسلي } سبأ 45 وقال { لما كذبوا الرسل } الفرقان 37 وقال { وإن يكذبوك } الحج 42 ، وإذا تعدى إلى الكلام المكذّب تعدى إليه بالباء قال { وكذبتم به } الأنعام 57 وقال { وكذب به قومك } الأنعام 66 وقال { إن الذين كذبوا بآياتنا } الأعراف 40 وقال { كذبوا بآياتنا } آل عمران 11 . وهذا بخلاف قوله { كذبت ثمود المرسلين } في سورة الشعراء 141 . والمعنى أنهم كذبوا إنذارات رسولهم ، أي جحدوها ثم كذبوا رسولهم ، فلذلك فُرع على جملة { كذبت ثمود بالنذر } قوله { فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه } إلى قوله { بل هو كذّاب أشر } ولو كان المراد بالنذر جمع النذير وأطلق على نذيرهم لكان وجه النظم أن تقع جملة { فقالوا أبشراً } إلى آخرها غير معطوفة بالفاء لأنها تكون حينئذٍ بياناً لجملة { كذبت ثمود بالنذر } . والمعنى أن صالحاً جاءهم بالإِنذارات فجحدوا بها وكانت شبهتهم في التكذيب ما أعرب عنه قولهم { أبشراً منا واحداً نتبعه } إلى آخره ، فهذا القول يقتضي كونه جواباً عن دعوة وإنذار ، وإنما فُصّل تكذيب ثمود وأجمل تكذيب عاد لقصد بيان المشابهة بين تكذيبهم ثمود وتكذيب قريش إذ تشابهت أقوالهم . والقول في انتظام جملة { فقالوا أبشراً } الخ بعد جملة { كذبت ثمود بالنذر } كالقول في جملة { فكذبوا عبدنا } القمر 9 بعد جملة { كذبت قبلهم قوم نوح } القمر 9 . وهذا قول قالوه لرسولهم لما أنذرهم بالنذر لأن قوله { كذبت } يؤذن بمخبر إذ التكذيب يقتضي وجود مخبر . وهو كلام شافهوا به صالحاً وهو الذي عنوه بقولهم { أبشراً منَّا } إلخ . وعدلوا عن الخطاب إلى الغيبة . وانتصب { أبشراً } على المفعولية لــــ { نتبعه } على طريقة الاشتغال ، وقدم لاتصاله بهمزة الاستفهام لأن حقها التصدير واتصلت به دونَ أن تدخل على نتبع لأن محل الاستفهام الإنكاري هو كون البشر متبوعاً لا اتباعهم له ومثله { أبشرٌ يهدوننا } التغابن 6 وهذا من دقائق مواقع أدوات الاستفهام كما بين في علم المعاني . والاستفهام هنا إنكاري ، أنكروا أن يرسل الله إلى الناس بَشراً مثلهم ، أي لو شاء الله لأرسل ملائكة . ووصف { بشراً } بــــ { واحداً } إما بمعنى أنه منفرد في دعوته لا أتباع له ولا نصراء ، أي ليس ممن يخشى ، أي بعكس قول أهل مدين { ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز } هود 91 . وإما بمعنى أنه من جملة آحاد الناس ، أي ليس من أفضلنا . وإما بمعنى أنه منفرد في ادعاء الرسالة لا سلف له فيها كقول أبي مِحْجن الثقفي @ قد كنت أغنى الناس شخصاً واحداً سَكن المدينة من مزارع فُوم @@ يريد لا يناظرني في ذلك أحد . وجملة { إنّا إذا لفي ضلال وسعر } تعليل لإنكار أن يتبعوا بشراً منهم تقديره أنتّبعك وأنت بشر واحد منا . وإذن حرف جواب هي رابطة الجملة بالتي قبلها . والضلال عدم الاهتداء إلى الطريق ، أرادوا إنا إذن مخطئون في أمرنا . و { السُعُر } الجُنون ، يقال بضم العين وسكونها . وفسر ابن عباس السُعُر بالعذاب على أنه جمع سَعير . وجملة { ألقِىَ الذِّكرُ عليه من بيننا } تعليل للاستفهام الإِنكاري . و { ألقى } حقيقته رُميَ من اليد إلى الأرض وهو هنا مستعار لإِنزال الذكر من السماء قال تعالى { إنا سنُلْقِي عليك قولاً ثقيلاً } المزمل 5 . وفي للظرفية المجازية ، جعلوا تلبسهم بالضلال والجنون كتلبس المظروف بالظرف . و { من بيننا } حال من ضمير { عليه } ، أي كيف يُلقى عليه الذكر دوننا ، يريدون أن فيهم من هو أحق منه بأن يوحى إليه حسب مدارك عقول الجهلة الذين يقيسون الأمور بمقاييس قصور أفهامهم ويحسبون أن أسباب الأثرة في العادات هي أسبابها في الحقائق . وحرف { من } في قوله { من بيننا } بمعنى الفصل كما سماه ابن مالك وإن أباه ابن هشام أي مفصولاً من بيننا كقوله تعالى { والله يعلم المفسد من المصلح } البقرة 220 . و { بل هو كذاب أشر } إضراب عن ما أنكروه بقولهم { أألقى الذكر عليه من بيننا } أي لم ينزل الذكر عليه من بيننا بل هو كذّاب فيما ادعاه ، بَطر متكبر . والأشر بكسر الشين وتخفيف الراء اسم فاعل أَشِر ، إذا فرح وبَطَر ، والمعنى هو معجَب بنفسه مُدَّععٍ ما ليس فيه .