Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 46-53)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
انتقال من وصف جزاء المجرمين إلى ثواب المتقين . والجملة عطف على جملة { يُعْرف المجرمون بسيماهم } الرحمٰن 41 إلى آخرها ، وهو أظهر لأن قوله في آخرها { يطوفون بينها وبين حميم آنٍ } يفيد معنى أنهم فيها . واللام في { لمن خاف } لام الملك ، أي يعطي من خاف ربه ويملك جنتين ، ولا شبهة في أن من خاف مقام ربه جنس الخائفين لا خائف معيّن فهو من صيغ العموم البدلي بمنزلة قولك وللخائف مقام ربه . وعليه فيجيء النظر في تأويل تثنية { جنتان } فيجوز أن يكون المراد جنسين من الجنات . وقد ذكرت الجنات في القرآن بصيغة الجمع غير مرة وسيجيء بعد هذا قوله { ومن دونهما جنتان } الرحمٰن 62 فالمراد جنسان من الجنات . ويجوز أن تكون التثنية مستعملة كناية عن التعدد ، وهو استعمال موجود في الكلام الفصيح وفي القرآن قال الله تعالى { ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسِئاً وهو حسير } الملك 4 ومنه قولهم لبَّيْك وسعَديك ودواليك ، كقول القوّال الطائي من شعر الحماسة @ فقولا لهذا المرء ذُو جاء ساعياً هَلمّ فإن المشرفيَّ الفرائض @@ أي فقولوا يا قومِ ، وتقدم عند قوله تعالى { سنعذبهم مرتين } في سورة التوبة 101 . وإيثار صيغة التثنية هنا لمراعاة الفواصل السابقة واللاحقة فقد بنيت قرائن السورة عليها والقرينة ظاهرة وإليه يميل كلام الفراء ، وعلى هذا فجميع ما أجري بصيغة التثنية في شأن الجنتين فمراد به الجمع . وقيل أريد جنتان لكل متقّ تحفان بقصره في الجنة كما قال تعالى في صفة جنات الدنيا { جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب } الكهف 32 الآية ، وقال { لقد كان لسبإ في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال } سبأ 15 فهما جنتان باعتبار يمنة القصر ويسرته والقصر فاصل بينهما . والمقام أصله محل القيام ومصدر ميمي للقيام وعلى الوجهين يستعمل مجازاً في الحالة والتلبس كقولك لمن تستجيره هذا مقام العائذ بك ، ويطلق على الشأن والعظمة ، فإضافة { مقام } إلى { ربه } هنا إن كانت على اعتبار المقام للخائف فهو بمعنى الحال ، وإضافته إلى { ربه } تُشبِه إضافة المصدر إلى المفعول ، أي مقامه من ربه ، أي بين يديه . وإن كانت على اعتبار المقام لله تعالى فهو بمعنى الشأن والعظمة . وإضافتُه كالإضافة إلى الفاعل ، ويحتمل الوجهين قوله تعالى { ذلك لمن خاف مقامي } في سورة إبراهيم 14 وقولُه { وأما من خاف مقام ربه } في سورة النازعات 40 . وجملة { فبأي ألاء ربكما تكذبان } معترضة بين الموصوف والصفة وهي تكرير لنظائرها . وَذَواتا تثنية ذات ، والواو أصلية لأن أصل ذات ذَوة ، والألف التي بعد الواو إشباع للفتحة لازم للكلمة . وقيل الألف أصلية وأن أصل ذات ذوات فخففت في الإِفراد وردّتها التثنية إلى أصلها وقد تقدم في قوله تعالى { وبدّلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط } في سورة سبأ 16 . وأما الألف التي بعد التاء المثناة الفوقية فهي علامة رفع نائبة عن الضمة . والأفنان جمع فَنَن بفتحتين ، وهو الغصن . والمقصود هنا أفنان عظيمة كثيرة الإِيراق والإِثمار بقرينة أنّ الأفنان لا تخلو عنها الجنات فلا يحتاج إلى ذكر الأفنان لولا قصد ما في التنكير من التعظيم . وتثنية عينان جار على نحو ما تقدم في تثنية { جنتان } ، وكذلك تثنية ضميري { فيهما } وضمير { تجريان } تبع لتثنية مَعَادهما في اللفظ . فإن كان الجنتان اثنتين لكل من خَاف مقام ربه فلكل جنة منهما عين فهما عينان لكل من خاف مقام ربه ، وإن كان الجنتان جنسين فالتثنية مستعملة في إرادة الجمع ، أي عيون على عدد الجنات ، وكذلك إذا كان المراد من تثنية { جنتان } الكثرة كما تثنيه { عينان } للكثرة . وفصل بين الأفنان وبين ذكر الفاكهة بذكر العينين مع أن الفاكهة بالأفنان أنسب ، لأنه لما جرى ذكر الأفنان ، وهي من جمال منظر الجنة أعقب بما هو من محاسن الجنات وهو عيون الماء جمعاً للنظيرين ، ثم أعقب ذلك بما هو من جمال المنظر ، أعني الفواكه في أفنانها ومن ملذات الذوق . وأما تثنية زوجان فإن الزوج هنا النوع ، وأنواع فواكه الجنة كثيرة وليس لكل فاكهة نوعان فإمّا أن نجعل التثنية بمعنى الجمع ونجعل إيثار صيغة التثنية لمراعاة الفاصلة ولأجل المزاوجة مع نظائرها من قوله { ولمن خاف مقام ربه جنتان } إلى هنا . وإما أن نجعل تثنية { زوجان } لكون الفواكه بعضها يؤكل رطباً وبعضها يؤكل يابساً مثل الرطب والتمر والعنب والزبيب ، وأخص الجوز واللوز وجافهما . و { من كل فاكهة } بيان لــــ { زوجان } مقدّم على المبيّن لرعي الفاصلة . وتخلل هذه الآيات الثلاث بآيات { فبأي ألاء ربكما تكذبان } جار على وجه الاعتراض وعلى أنه مجرد تكرير كما تقدم أولاها .