Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 110-110)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يجوز أن يكون عطفاً على جملة { أنّها إذا جاءت لا يؤمنون } الأنعام 109 فتكون بياناً لقوله { لا يؤمنون } الأنعام 109 ، أي بأن نعطِّل أبصارَهم عن تلك الآية وعقولهم عن الاهتداء بها فلا يبصُرون ما تحتوي عليه الآية من الدّلائل ولا تفقه قلوبهم وجه الدّلالة فيتعطَّل تصديقهم بها ، وذلك بأن يحرمهم الله من إصلاح إدراكهم ، وذلك أنّهم قد خُلقت عقولهم نابية عن العلم الصّحيح بما هيّأ لها ذلك من انسلالها من أصول المشركين ، ومن نشأتها بين أهل الضّلال وتلقّي ضلالتهم ، كما بيّنتُه آنفاً . فعبّر عن ذلك الحال المخالف للفطرة السّليمة بأنّه تقليب لعقولهم وأبصارهم ، ولأنّها كانت مقلوبة عن المعروف عند أهل العقول السّليمة ، وليس داعي الشّرك فيها تقليباً عن حالة كانت صالحة لأنّها لم تكن كذلك حيناً ، ولكنّه تقليب لأنّها جاءت على خلاف ما الشّأن أن تجيء عليه . وضمير { به } عائد إلى القرآن المفهوم من قوله { لئن جاءتهم آية } الأنعام 109 فإنّهم عَنوا آية غير القرآن . والكاف في قوله { كما لم يؤمنوا به أوّل مرّة } لتشبيه حالة انتفاء إيمانهم بعد أن تجيئهم آية ممّا اقترحوا . والمعنى ونقلِّب أيديهم وأبصارهم فلا يؤمنون بالآية الّتي تجيئهم مثلَما لم يؤمنوا بالقرآن من قبلُ ، فتقليب أفئدتهم وأبصارهم على هذا المعنى يحصل في الدّنيا ، وهو الخذلان . ويجوز أن تكون جملة { ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم } مستأنفة والواو للاستئناف ، أو أن تكون معطوفة على جملة { لا يؤمنون } الأنعام 109 . والمعنى ونحن نقلّب أفئدتهم وأبصارهم ، أي في نار جهنّم ، كناية عن تقليب أجسادهم كلّها . وخصّ من أجسادهم أفئدتُهم وأبصارهُم لأنّها سبب إعراضهم عن العبرة بالآيات ، كقوله تعالى { سحروا أعْيُن النّاس } الأعراف 116 ، أي سحروا النّاسَ بما تُخيِّلُه لهم أعينهم . والكاف في قوله { كما لم يؤمنوا به } على هذا الوجه للتّعليل كَقوله { واذكروه كما هداكم } البقرة 198 . وأقول هذا الوجه يناكده قوله { أوّل مرّة } إذ ليس ثمّة مرّتان على هذا الوجه الثّاني ، فيتعيّن تأويل { أوّل مرّة } بأنّها الحياة الأولى في الدّنيا . والتّقليب مصدر قلّب الدالّ على شدّة قلب الشّيء عن حاله الأصليّة . والقلب يكون بمعنى جعل المقابل للنظر من الشيء غير مقابل ، كقوله تعالى { فأصبح يُقلِّب كفَّيْه على ما أنفق فيها } الكهف 42 ، وقولهم قَلَب ظَهْر المِجَن ، وقريب منه قوله { قد نرى تقلّب وجهك في السّماء } البقرة 144 ويكون بمعنى تغيير حالة الشيء إلى ضدّها لأنّه يشبه قلب ذات الشّيء . والكاف في قوله { كما لم يؤمنوا به } الظّاهر أنّها للتّشبيه في محلّ حال من ضمير { لا يؤمنون } الأنعام 109 ، و « ما » مصدريّة . والمعنى لا يؤمنون مثل انتفاء إيمانهم أوّل مرّة . والضّمير المجرور بالباء عائد إلى القرآن لأنّه معلوم من السّياق كما في قوله { وكذّب به قومك } الأنعام 66 ، أي أنّ المكابرة سجيّتهم فكما لم يؤمنوا في الماضي بآية القرآن وفيه أعظم دليل على صدق الرّسول ـــ عليه الصّلاة والسّلام ـــ لا يؤمنون في المستقبل بآيةٍ أخرى إذا جاءتهم . وعلى هذا الوجه يكون قوله { ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم } معترضاً بالعطف بين الحال وصاحبها . ويجوز أن يجعل التّشبيه للتقليب فيكون حالاً من الضّمير في { نقلّب } ، أي نقلّب أفئدتهم وأبصارهم عن فطرة الأفئدة والأبصار كما قلّبناها فلم يؤمنوا به أوّل مرّة إذ جمحوا عن الإيمان أوّلَ ما دعاهم الرّسول ـــ عليه الصّلاة والسّلام ـــ ، ويصير هذا التّشبيه في قوّة البيان للتّقليب المجعول حالاً من انتفاء إيمانهم بأنّ سبب صدورهم عن الإيمان لا يزال قائماً لأنّ الله حرمهم إصلاح قلوبهم . وجوّز بعض المفسّرين أن تكون الكاف للتّعليل على القول بأنّه من معانيها ، وخُرّج عليه قوله تعالى { واذكروه كما هداكم } البقرة 198 . فالمعنى نقلّب أفئدتهم لأنّهم عصوا وكابروا فلم يؤمنوا بالقرآن أوّلَ ما تحدّاهم ، فنجعلُ أفئدتهم وأبصارهم مستمرّة الانقلاب عن شأن العقول والأبصار ، فهو جزاء لهم على عدم الاهتمام بالنّظر في أمر الله تعالى وبعثة رسوله ، واستخفافهم بالمبادرة إلى التّكذيب قبل التّأمّل الصّادق . وتقديم الأفئدة على الأبصار لأنّ الأفئدة بمعنى العقول ، وهي محلّ الدّواعي والصّوارف ، فإذا لاح للقلب بارق الاستدلال وجّه الحواس إلى الأشياء وتأمّل منها . والظّاهر أنّ وجه الجمع بين الأفئدة والأبصار وعدم الاستغناء بالأفئدة عن الأبصار لأنّ الأفئدة تختصّ بإدراك الآيات العقليّة المحضة ، مثل آية الأمِّية وآيةِ الإعجاز . ولمّا لم تكفهم الآيات العقليّة ولم ينتفعوا بأفئدتهم لأنّها مقلَّبة عن الفطرة وسألوا آيات مرئيّة مبصَرة ، كأنْ يرقى في السّماء وينزلَ عليهم كتاباً في قرطاس ، أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بأنّهم لو جاءتهم آية مبصرة لَمَا آمنوا لأنّ أبصارهم مقلّبة أيضاً مثل تقليب عقولهم . وذُكِّر { أوّل } مع أنّه مضاف إلى { مرّة } إضافة الصفة إلى الموصوف لأنّ أصل « أوّل » اسمُ تفضيل . واسم التّفضيل إذا أضيف إلى النّكرة تعيّن فيه الإفراد والتّذكير ، كما تقول خَديجَةُ أوّل النّساء إيماناً ولا تقول أولى النّساء . والمراد بالمرّة مرّة من مَرّتَيْ مجيء الآيات ، فالمرّة الأولى هي مَجيء القرآن ، والمرّة الثّانية هي مجيء الآية المقترحة ، وهي مرّة مفروضة . { ونَذَرُهم } عطف على { نُقلّب } . فحُقِّق أنّ معنى { نقلّب أفئدتهم } نتركها على انقلابها الّذي خلقت عليه ، فكانت مملوءة طغياناً ومكابرة للحقّ ، وكانت تصرف أبصارهم عن النّظر والاستدلال ، ولذلك أضاف الطّغيان إلى ضميرهم للدّلالة على تأصّله فيهم ونشأتهم عليه وأنّهم حرموا لين الأفئدة الّذي تنشأ عنه الخشيةُ والذّكرى . والطّغيان والعَمَه تقدّماً عند قوله تعالى { ويمُدّهم في طغيانهم يعمهون } في سورة البقرة 15 . والظّرفيّة من قوله في طغيانهم مجازية للدّلالة على إحاطة الطّغيان بهم ، أي بقلوبهم . وجملة { ونذرهم } معطوفة على { نقلّب } . وجملة { يعمهون } حال من الضّمير المنصوب في قوله { ونذرهم } . وفيه تنبيه على أنّ العمَه ناشيء عن الطّغيان .