Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 111-111)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جملة { وَلَوْ أَنَّنَا } معطوفة على جملة { وما يُشعركم } الأنعام 109 باعتبار كون جملة { وما يُشعركم } الأنعام 109 عطفاً على جملة { قل إنّما الآيات عند الله } الأنعام 109 ، فتكون ثلاثتها ردّا على مضمون جملة { وأقسموا بالله جَهْد أيمانهم لئن جاءتهم آية } الأنعام 109 إلخ ، وبيانا لجملة { وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون } الأنعام 109 . روى عن ابن عبّاس أنّ المستهزئين ، الوليدَ بن المغيرة ، والعاصي بن وائل ، والأسودَ بن عَبْدِ يغوثَ ، والأسودَ بنَ المطّلب ، والحارثَ بن حنظلة ، من أهل مكّة . " أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رَهْط من أهل مكّة فقالوا " أرِنا الملائكةَ يشهدون لك أوْ ابعث لنا بعض موتانا فنسألهم أحقّ ما تقول " ، وقيل إن المشركين قالوا « لا نؤمن لك حتَّى يُحشر قُصَيٌ فيُخبِرَنا بصِدْقك أو ائتِنا بالله والملائكة قبيلاً ــــ أي كفيلاً ــــ » فنزل قوله تعالى { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة } للردّ عليهم . وحكى الله عنهم { وقالوا لن نؤمن لك } في سورة الإسراء 90 إلى قوله { أو تأتي بالله والملائكة قبيلا } في سورة الإسراء 92 . وذَكر ثلاثة أشياء من خوارق العادات مسايرة لمقترحاتهم ، لأنَّهم اقترحوا ذلك . وقوله { وحَشَرنا عليهم كلّ شيء } يشير إلى مجموع ما سألوه وغيرِه . والحَشر الجمع ، ومنه { وحُشر لسليمان جنوده } النمل 17 . وضمّن معنى البعث والإرسَالِ فعُدّي بعلَى كما قال تعالى { بعثنا عليكم عباداً لنا } الإسراء 5 . و { كل شيء } يعمّ الموجودات كلّها . لكن المقام يخصّصه بكلّ شيء ممّا سألوه ، أو من جنس خوارق العادات والآيات ، فهذا من العام المراد به الخصوص مثل قوله تعالى ، في ريح عاد { تدمر كل شيء بأمر ربها } الأحقاف 25 والقرينة هي ما ذكر قبله من قوله { ولو أنَّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى } . وقوله { قِبَلاً } قرأه نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر ــــ بكسر القاف وفتح الباء ــــ ، وهو بمعنى المقابلة والمواجهة ، أي حشرنا كلّ شيء من ذلك عياناً . وقرأه الباقون ــــ بضمّ القاف والباء ــــ وهو لغة في قِبَل بمعنى المواجهة والمعاينة وتأوّلها بعض المفسّرين بتأويلات أخرى بعيدة عن الاستعمال ، وغير مناسبة للمعنى . و { ما كانوا ليؤمنوا } هو أشدّ من لا يؤمنون تقوية لنفي إيمانهم ، مع ذلك كلّه ، لأنَّهم معاندون مكابرون غير طالبين للحقّ ، لأنَّهم لو طَلَبوا الحقّ بإنصاف لكفتْهم معجزة القرآن ، إنْ لَمْ يكفهم وضوح الحقّ فيما يدْعُو إليه الرّسول عليه الصلاة والسلام . فالمعنى الإخبار عن انتفاء إيمانهم في أجدر الأحوال بأن يؤمن لها من يؤمن ، فكيف إذا لم يكن ذلك . والمقصود انتفاء إيمانهم أبداً . { ولو } هذه هي المسماة { لَوْ } الصهيبية ، وسنشرح القول فيها عند قوله تعالى { ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون } في سورة الأنفال 23 . وقوله { إلا أن يشاء الله } استثناء من عموم الأحوال التي تضمّنها عموم نفي إيمانهم ، فالتّقدير إلاّ بمشيئة الله ، أي حال أن يشاء الله تغيير قلوبهم فيؤمنوا طوعاً ، أو أن يكرههم على الإيمان بأن يسلّط عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم كما أراد الله ذلك بفتح مكّة وما بعده . ففي قوله { إلا أن يشاء الله } تعريض بوعد المسلمين بذلك ، وحذفت الباء مع « أنْ » . ووقع إظهار اسم الجلالة في مقام الإضمار لأنّ اسم الجلالة يوميء إلى مقام الإطلاق وهو مقامُ { لا يُسأل عمّا يفعل } الأنبياء 23 ، ويومىء إلى أنّ ذلك جرى على حسب الحكمة لأنّ اسم الجلالة يتضمّن جميع صفات الكمال . والاستدراك بقوله { ولكن أكثرهم يجهلون } راجع إلى قوله { إلا أن يشاء الله } المقتضي أنّهم يؤمنون إذا شاء الله إيمانهم ذلك أنَّهم ما سألوا الآيات إلاّ لتوجيه بقائهم على دينهم ، فإنَّهم كانوا مصمّمين على نبذ دعوة الإيمان ، وإنَّما يتعلَّلون بالعلل بطلب الآيات استهزاء ، فكان إيمانهم ــــ في نظرهم ــــ من قبيل المحال ، فبيّن الله لهم أنَّه إذا شاء إيمانَهم آمنوا ، فالجهل على هذا المعنى هو ضدّ العلم . وفي هذا زيادة تنبيه إلى ما أشار إليه قوله { إلا أن يشاء الله } من أنّ ذلك سيكون ، وقد حصل إيمان كثير منهم بعد هذه الآية . وإسناد الجهل إلى أكثرهم يدلّ على أنّ منهم عقلاء يحسبون ذلك . ويجوز أن يكون الاستدراك راجعاً إلى ما تضمّنه الشّرط وجوابُه من انتفاء إيمانهم مع إظهار الآيات لهم ، أي لا يؤمنون ، ويزيدهم ذلك جهلاً على جهلهم ، فيكون المراد بالجهل ضدّ الحلم ، لأنَّهم مستهزئون ، وإسناد الجهل إلى أكثرهم لإخراج قليل منهم وهم أهل الرأي والحلم فإنَّهم يرجى إيمانهم ، لو ظهرت لهم الآيات ، وبهذا التّفسير يظهر موقع الاستدراك . فضمير { يجهلون } عائد إلى المشركين لا محالة كبقية الضّمائر التي قبله .