Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 15-16)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا استئناف مكرّر لما قبله ، وهو تدرّج في الغرض المشترك بينها من أنّ الشرك بالله متوعّد صاحبه بالعذاب وموعود تاركه بالرحمة . فقوله { أغير الله أتّخذ وليّاً } الأنعام 14 الآية رفض للشرك بالدليل العقلي ، وقوله { قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم } الأنعام 14 الآية ، رفض للشرك امتثالاً لأمر الله وجلاله . وقوله هنا { قل إنّي أخاف } الآية تجنّب للشرك خوفاً من العقاب وطمعاً في الرحمة . وقد جاءت مترتّبة على ترتيبها في نفس الأمر . وفهم من قوله { إن عصيت ربّي } أنّ الآمر له بأن يكون أول من أسلم والناهي عن كونه من المشركين هو الله تعالى . وفي العدول عن اسم الجلالة إلى قوله { ربّي } إيماء إلى أنّ عصيانه أمر قبيح لأنّه ربّه فكيف يعصيه . وأضيف العذاب إلى { يوم عظيم } تهويلاً له لأنّ في معتاد العرب أن يطلق اليوم على يوم نصر فريق وانهزام فريق من المحاربين ، فيكون اليوم نكالاً على المنهزمين ، إذ يكثر فيهم القتل والأسر ويسام المغلوب سوء العذاب ، فذكر { يوم } يثير من الخيال مخاوف مألوفة ، ولذلك قال الله تعالى { فكذّبوه فأخذهم عذاب يوم الظلّة إنّه كان عذاب يوم عظيم } الشعراء 189 ولم يقل عذاب الظلّة أنّه كان عذاباً عظيماً . وسيأتي بيان ذلك مفصّلاً عند قوله تعالى { يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن } في سورة التغابن 9 ، وبهذا الاعتبار حسَن جعل إضافة العذاب إلى اليوم العظيم كناية عن عظم ذلك العذاب ، لأنّ عظمة اليوم العظيم تستلزم عظم ما يقع فيه عرفاً . وقوله { من يصرف عنه يومئذٍ فقد رحمه } جملة من شرط وجزاء وقعت موقع الصفة لـ { عذاب } . و { يصرف } مبني للمجهول في قراءة الأكثر ، على أنّه رافع لضمير العذاب أو لضمير { من } على النيابة عن الفاعل . والضمير المجرور بــ « عن » عائد إلى { مَن } أي يصرف العذاب عنه ، أو عائد إلى العذاب ، أي من يصرف هو عن العذاب ، وعلى عكس هذا العود يكون عود الضمير المستتر في قوله { يصرف } . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، ويعقوب ، وخلف { يصرف } ـــ بالبناء للفاعل ـــ على أنّه رافع لضمير { ربّي } على الفاعلية . أمّا الضمير المستتر في { رحمَهُ } فهو عائد إلى { ربّي } ، والمنصوب عائد إلى { مَن } على كلتا القراءتين . ومعنى وصف العذاب بمضمون جملة الشرط والجزاء ، أي من وفّقه الله لتجنّب أسباب ذلك العذاب فهو قد قدّر الله له الرحمة ويسّر له أسبابها . والمقصود من هذا الكلام إثبات مقابل قوله { إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم } كأنّه قال أرجو إن أطعته أن يرحمني ربّي ، لأنّ من صرف عنه العذاب ثبتت له الرحمة . فجاء في إفادة هذا المعنى بطريقة المذهب الكلامي . وهو ذكر الدليل ليعلم المدلول . وهذا ضرب من الكناية وأسلوب بديع بحيث يدخل المحكوم له في الحكم بعنوان كونه فرداً من أفراد العموم الذين ثبت لهم الحكم . ولذلك عقّبه بقوله { وذلك الفوز المبين } . والإشارة موجّهة إلى الصرف المأخوذ من قوله { من يصرف عنه } أو إلى المذكور . وإنّما كان الصرف عن العذاب فوزاً لأنّه إذا صرف عن العذاب في ذلك اليوم فقد دخل في النعيم في ذلك اليوم . قال تعالى { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنّة فقد فاز } آل عمران 185 . و { المبين } اسم فاعل من أبان بمعنى بان .