Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 17-17)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عطف على الجمل المفتتحة بفعل { قل } الأنعام 15 فالخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم . وهذا مؤذن بأنّ المشركين خوّفوا النبي صلى الله عليه وسلم أو عرّضوا له بعزمهم على إصابته بشرّ وأذى فخاطبه الله بما يثبّت نفسه وما يؤيس أعداءه من أن يستزلّوه . وهذا كما حكي عن إبراهيم عليه السلام { وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنّكم أشركتم بالله ما لم ينزّل به عليكم سلطاناً } الأنعام 81 ، ومن وراء ذلك إثبات أنّ المتصرّف المطلق في أحوال الموجودات هو الله تعالى بعد أن أثبت بالجمل السابقة أنّه محدث الموجودات كلّها في السماء والأرض ، فجُعل ذلك في أسلوب تثبيت للرسول صلى الله عليه وسلم على عدم الخشية من بأس المشركين وتهديدهم ووعيدهم ، ووعدُه بحصول الخير له من أثر رضى ربّه وحدَه عنه ، وتحدّي المشركين بأنّهم لا يستطيعون إضراره ولا يجلبون نفعه . ويحصل منه ردّ على المشركين الذين كانوا إذا ذُكّروا بأنّ الله خالق السماوات والأرض ومن فيهن أقرّوا بذلك ، ويزعمون أنّ آلهتهم تشفع عند الله وأنّها تجلب الخير وتدفع الشرّ ، فلمَّا أبطلت الآيات السابقة استحقاق الأصنام الإلهية لأنّها لم تخلق شيئاً ، وأوجبت عبادة المستحقّ الإلهية بحقّ ، أبطلت هذه الآية استحقاقهم العبادة لأنّهم لا يملكون للناس ضرّاً ولا نفعاً ، كما قال تعالى { قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرّاً ولا نفعاً } المائدة 76 وقال عن إبراهيم عليه السلام { قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرّون } الشعراء 73 . وقد هيّأت الجمل السابقة موقعاً لهاته الجملة ، لأنّه إذا تقرّر أنّ خالق الموجودات هو الله وحده لزم من ذلك أنّه مقدّر أحوالِهم وأعمالِهم ، لأنّ كون ذلك في دائرة قدرته أولى وأحقّ بعد كون معروضات تلك العوارض مخلوقة له . فالمعروضات العارضة للموجودات حاصلة بتقدير الله لأنّه تعالى مقدّر أسبابها ، واضع نظام حصولها وتحصيلها ، وخالق وسائل الدواعي النفسانية إليها أو الصوارف عنها . والمسّ حقيقته وضع اليد على شيء . وقد يكون مباشرة وقد يكون بآلة ، ويستعمل مجازاً في إيصال شيء إلى شيء فيستعار إلى معنى الإيصال فيكثر أن يذكر معه ما هو مستعار للآلة . ويدخل عليه حرف الآلة وهو الباء كما هنا ، فتكون فيه استعارتان تبعيتان إحداهما في الفعل والأخرى في معنى الحرف ، كما في قوله { ولا تمسّوها بسوء } الأعراف 73 . فالمعنى وإن يصبك الله بضرّ ، أو وإن ينلك من الله ضرّ . والضُرّ ـــ بضم الضاد ـــ هو الحال الذي يؤلم الإنسان ، وهو من الشرّ ، وهو المنافر للإنسان . ويقابله النفع ، وهو من الخير ، وهو الملائم . والمعنى إن قدّر الله لك الضرّ فهلاّ يستطيع أحد كشفه عنك إلاّ هو إن شاء ذلك ، لأنّ مقدّراته مربوطة ومحوطة بنواميس ونظم لا تصل إلى تحويلها إلاّ قدرة خالقها . وقابل قوله { وإن يمسسك الله بضرّ } بقوله { وإن يمسسك بخير } مقابلة بالأعمّ ، لأنّ الخير يشمل النفع وهو الملائم ويشمل السلامة من المنافر ، للإشارة إلى أنّ المراد من الضرّ ما هو أعمّ ، فكأنّه قيل إن يمسسك بضرّ وشرّ وإن يمسسك بنفع وخير ، ففي الآية احتباك . وقال ابن عطية ناب الضرّ في هذه الآية مناب الشرّ والشرّ أعمّ وهو مقابل الخير . وهو من الفصاحة عدول عن قانون التكلّف والصنعة ، فإنّ من باب التكلّف أن يكون الشيء مقترناً بالذي يختصّ به ونظَّر هذا بقوله تعالى { إنّ لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنَّك لا تظمأ فيها ولا تضحى } طه 118 ، 119 . اهــ . وقوله { فهو على كلّ شيء قدير } جعل جواباً للشرط لأنّه علّة الجواب المحذوف والجواببِ المذكور قبله ، إذ التقدير وإن يمسسك بخير فلا مانع له لأنّه على كلّ شيء قدير في الضرّ والنفع . وقد جعل هذا العموم تمهيداً لقوله بعده { وهو القاهر فوق عباده } الأنعام 18 .