Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 64, Ayat: 6-6)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ارتقاء في التعريض إلى ضرب منه قريببٍ من الصريح . وهو المسمى في الكناية بالإِشارة . كانت مقالةُ الذين من قبلُ مماثلة لمقالة المخاطبين فإذا كانت هي سبب ما ذاقوه من الوبال فيوشك أن يذوق مماثلوهم في المقالة مثل ذلك الوبال . فاسم الإِشارة عائد إلى المذكور من الوبال والعذاب الأليم . فهذا عَدّ لكفر آخر من وجوه كفرهم وهو تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم بالقرآن فإن القرآن بيِّنة من البيّنات لأنه معجزة . والباء للسببية فالجملة في موقع العلة . والضمير ضمير الشأن لقصد تهويل ما يفسر الضمير ، وهو جملة { كانت تأتيهم رسلهم بالبينات } إلى آخرها . والاستفهام في { أبشر } استفهام إنكار وإبطال فهم أحالوا أن يكون بشر مثلهم يهدون بشراً أمثالهم ، وهذا من جهلهم بمراتب النفوس البشرية ومن يصطفيه الله منها ، ويخلقه مضطلعاً بتبليغ رسالته إلى عباده . كما قال { وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } الفرقان 7 وجهلوا أنه لا يصلح لإِرشاد الناس إلا مَن هو من نوعهم قال تعالى { قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً } الإسراء 95 ولمَّا أحالوا أن يكون البشر أهلاً لهداية بشر مثله جعلوا ذلك كافياً في إعراضهم عن قبول القرآن والتدبر فيه . والبشر اسم جنس للإِنسان يصدق على الواحد كما في قوله تعالى { قل إنما أنا بشر مثلكم } الكهف 110 ويقال على الجمع كما هنا . وتقدم في قوله { وقُلْنَ حاش لله ما هذا بشراً } في سورة يوسف 31 وفي سورة مريم 17 عند قوله { فتمثل لها بشراً سوياً } وتنكير { بشر } للنوعية لأن محط الإِنكار على كونهم يَهدونهم ، هو نوعُ البشرية . وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي لقصد تقوّي حكم الإِنكار ، وما قالوا ذلك حتى اعتقدوه فلذلك أقدموا على الكفر برسلهم إذ قد اعتقدوا استحالة إرسال الله إياهم فجزموا بكذبهم في دعوى الرسالة فلذلك فرع عليه { فكَفروا وتولوا } . والتولي أصله الانصراف عن المكان الذي أنت فيه ، وهو هنا مستعار للإِعراض عن قبول دعوة رسلهم ، وتقدم عند قوله تعالى { ثم توليتم من بعد ذلك } في سورة البقرة 64 . { واستغنى } غَنِيَ فالسين والتاء للمبالغة كقوله { أما من استغنى } عبس 5 . والمعنى غَنِي الله عن إيمانهم قال تعالى { إن تكفروا فإن الله غنيّ عنكم } الزمر 7 . والواو واو الحال ، أي والحال أن الله غني عنهم من زمن مضى فإن غنى الله عن إيمانهم مقرر في الأزل . ويجوز أن يراد واستغنى الله عن إعادة دعوتهم لأن فيما أظهر لهم من البينات على أيدي رسلهم ما هو كاف لحصول التصديق بدعوة رسلهم لولا المكابرة فلذلك عجّل لهم بالعذاب . وعلى الوجهين فمتعلق { استغنى } محذوف دل عليه قوله { فكفروا } وقوله { بالبينات } والتقدير واستغنى الله عن إيمانهم . وجملة { والله غني حميد } تذييل ، أي غني عن كل شيء فيما طلب منهم ، حميد لمن امتثل وشكر .