Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 64, Ayat: 7-7)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا ضرب ثالث من ضروب كفر المشركين المخاطبين بقوله { ألم يأتكم } التغابن 5 الخ ، وهو كفرهم بإنكارهم البعث والجزاءَ . والجملة ابتدائية . وهذا الكلام موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقرينة قوله { قل بلى } . وليس هذا من الإِظهار في مقام الإِضمار ولا من الالتفات بل هو ابتداء غرض مخاطبٍ به غيرُ من كان الخطاب جارياً معهم . وتتضمن الجملة تصريحاً بإثبات البعث ذلك الذي أوتي إليه فيما مضى يفيد بالحق في قوله { خلق السمٰوات والأرض بالحق } التغابن 3 وبقوله { يعلم ما في السمٰوات والأرض } التغابن 4 كما علمته آنفاً . والزعم القول الموسوم بمخالفة الواقع خَطَأ فمنه الكذب الذي لم يتعمد قائله أن يخالف الواقع في ظن سامعه . ويطلق على الخبر المستغرب المشكوك في وقوع ما أُخبر به ، وعن شُريح لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا أراد بالكنية الكناية . فَبَيْن الزعم والكذب عموم وخصوص وجهي . وفي الحديث « بئس مطية الرجل إلى الكذب زعموا » ، أي قول الرجل زعموا كذا . وروى أهل الأدب أن الأعشى لما أنشد قيس بن معد يكرب الكِندي قوله في مدحه @ ونبئتُ قيساً ولم أَبلُه كما زَعموا خيرَ أهل اليمن @@ غضب قيس وقال له « وما هو إلا الزعم » . ولأجل ما يصاحب الزعم من توهم قائله صدق ما قاله أُلحق فعلُ زعم بأفعال الظن فنصب مفعولين . وليس كثيراً في كلامهم ، ومنه قول أبي ذؤيب @ فإن تزعميني كنتُ أجهلُ فيكم فإني شَرَيْتُ الحِلم بَعدَكِ بالجهل @@ ومن شواهد النحو قول أبي أمية أوس الحنفي @ زعمتْني شيخاً ولستُ بشيخ إنما الشيخ من يَدبّ دبيباً @@ والأكثر أن يقع بعد فعل الزعم أَنَّ المفتوحة المشددة أو المخففة مثل التي في هذه الآية فيسد المصدرُ المنسبك مسدّ المفعولين . والتقدير زعم الذين كفروا انتفاء بعثهم . وتقدم الكلام على فعل الزعم في قوله تعالى { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك } الآية في سورة النساء 60 ، وقوله { ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون } في سورة الأنعام 22 وما ذكرته هنا أوفى . والمراد بـ { الذين كفروا } هنا المشركون من أهل مكة ومن على دينهم . واجتلاب حرف { لن } لتأكيد النفي فكانوا موقنين بانتفاء البعث . ولذلك جيء إبطال زعمهم مؤكَّداً بالقَسَم لينْقض نفيهم بأشد منه ، فأُمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبلغهم عن الله أن البعث واقع وخاطبهم بذلك تسجيلاً عليهم أن لا يقولوا ما بلغناه ذلك . وجملة { قل بلى } معترضة بين جملة { زعم الذين كفروا } وجملةِ { فآمنوا بالله ورسوله } التغابن 8 . وحرف { بلَى } حرف جواب للإِبطال خاصٍ بجواب الكلام المنفي لإِبطاله . وجملة { ثم لتنبؤن بما عملتم } ارتقاء في الإِبطال . و { ثم } للتراخي الرتبي فإن إنباءهم بما عملوا أهم من إثبات البعث إذ هو العلة للبعث . والإِنباء الإِخبار ، وإنباؤهم بما عملوا كناية عن محاسبتهم عليه وجزائهم عما عملوه ، فإن الجزاء يستلزم علم المجازَى بعمله الذي جوزي عليه فكانَ حصول الجزاء بمنزلة إخباره بما عمله كقوله تعالى { إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا } لقمان 23 . وهذا وعيد وتهديد بجزاء سَيّىءٍ لأن المقام دليل على أن عملهم سَيىء وهو تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وإنكار ما دعاهم إليه . وجملة { وذلك على الله يسير } تذييل ، والواو اعتراضية . واسم الإِشارة إما عائد إلى البعث المفهوم من { لتبعثن } مثل قوله { اعدِلُوا هو أقرب للتقوى } المائدة 8 أي العدل أقرب للتقوى ، وإما عائد إلى معنى المذكور من مجموع { لَتُبْعَثُنَّ ثم لتنبؤن بما عملتم } . وأخبر عنه بـ { يسير } دون أن يقال وَاقِع كما قال { وإن الدين لواقع } الذاريات 6 ، لأن الكلام لردّ إحالتهم البعث بعلة أن أجزاء الجسد تفرقت فيتعذر جمعها فذكِّروا بأن العسير في متعارف الناس لا يعسر على الله وقد قال في الآية الأخرى { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } الروم 27 .