Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 9-10)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عطف على جملة { كذبت ثمود وعاد بالقارعة } الحاقة 4 . وقد جُمع في الذكر هنا عدةُ أمم تقدمت قبل بعثة موسى عليه السلام إجمالاً وتصريحاً ، وخص منهم بالتصريح قوم فرعون والمؤتفكات لأنهم من أشهر الأمم ذكراً عند أهل الكتاب المختلطين بالعرب والنازلين بجوارهم ، فمن العرب من يبلغه بعض الخبر عن قصتهم . وفي عطف هؤلاء على ثمود وعاد في سياق ذكر التكذيب بالقارعة إيماء إلى أنهم تشابهوا في التكذيب بالقارعة كما تشابهوا في المجيء بالخاطئة وعصيان رسل ربّهم ، فحصل في الكلام احتباك . والمراد بفرعون فرعون الذي أرسل إليه موسى عليه السلام وهو مِنفطاح الثاني . وإنما أسند الخِطْء إليه لأن موسى أرسل إليه ليُطلق بني إسرائيل من العبودية قال تعالى { اذهب إلى فرعون إنه طغى } النازعات 17 فهو المؤاخذ بهذا العصيان وتبعه القبط امتثالاً لأمره وكذبوا موسى وأعرضوا عن دعوته . وشمل قوله { ومَن قبله } أمَماً كثيرة منها قوم نوح وقوم إبراهيم . وقرأ الجمهور { ومن قَبله } بفتح القاف وسكون الباء . وقرأ أبو عمرو والكسائي ويعقوب بكسر القاف وفتح الباء ، أي ومن كان من جهته ، أي قومه وأتباعه . و { المؤتفكات } قُرى لوط الثلاثُ ، وأريد بالمؤتفكات سكانها وهم قوم لوط وخصوا بالذكر لشهرة جريمتهم ولكونهم كانوا مشهورين عند العرب إذ كانت قُراهم في طريقهم إلى الشام ، قال تعالى { وإنكم لتمرُّون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون } الصافات 137 ، 138 وقال { ولقد أتوا على القرية التي أُمْطِرت مطَر السوء أفلم يكونوا يرونها } الفرقان 40 . ووصفت قرى قوم لوط بـ { المؤتفكات } جمع مؤتفكة اسم فاعل ائتفك مُطاوع أفَكَه ، إذا قلَبَه ، فهي المنقلبات ، أي قلبها قالب ، أي خسف بها قال تعالى { جعلنا عاليها سافلها } هود 82 . والخاطئة إمّا مصدر بوزن فاعلة وهاؤه هاء المرة الواحدة فلما استعمل مصدراً قطع النظر عن المرة ، كما تقدم في قوله { الحاقة } الحاقة 1 فهو مصدر خَطِىءَ ، إذا أذنب . والذنب الخِطْء بكسر الخاء ، وإِما اسم فاعل خَطِىءَ وتأنيثه بتأويل الفعلة ذات الخِطْء فهاؤه هاء تأنيث . والتعريف فيه تعريف الجنس على كلا الوجهين ، فالمعنى جاء كل منهم بالذنب المستحق للعقاب . وفرع عنه تفصيل ذنبهم المعبر عنه بالخَاطئة فقال { فعصوا رسول ربّهم } وهذا التفريع للتفصيل نظير التفريع في قوله { كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر } القمر 9 في أنه تفريع بيان على المبيَّن . وضمير عصوا يجوز أن يرجع إلى { فرعون } باعتباره رأس قومه ، فالضمير عائد إليه وإلى قومه ، والقرينة ظاهرة على قراءة الجمهور ، وإما على قراءة أبي عمرو والكسائي فالأمر أظهر وعلى هذا الاعتبار في محل ضمير عصوا يكون المراد بـ { رسول ربّهم } موسى عليه السلام . وتعريفه بالإِضافة لما في لفظ المضاف إليه من الإِشارة إلى تخطئتهم في عبادة فرعون وجعلهم إياه إلٰهاً لهم . ويجُوز أن يرجع ضمير عصوا إلى { فرعون ومَن قبله والمؤتفكات } . { ورسول ربّهم } هو الرسول المرسل إلى كل قوم من هؤلاء . فإفراد { رسول } مراد به التوزيع على الجماعات ، أي رسول الله لكل جماعة منهم ، والقرينة ظاهرة ، وهو أجمل نظماً من أن يقال فعصوا رسُل ربّهم ، لما في إفراد { رسول } من التفنن في صيغ الكلم من جمع وإفراد تفادياً من تتابع ثلاثة جموع لأن صيغ الجمع لا تخلو من ثقل لقلة استعمالها وعكسه قوله في سورة الفرقان 37 { وقومَ نوح لمّا كذَّبوا الرُسل أغرقناهم } ، وإنما كذبوا رسولاً واحداً ، وقوله { كذبت قوم نوح المرسلين } وما بعده في سورة الشعراء 105 ، وقد تقدم تأويل ذلك في موضعه . والأخذ مستعمل في الإِهلاك ، وقد تقدم عند قوله تعالى { أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } في سورة الأنعام 44 وفي مواضع أخرى . و { أخْذَةً } واحدة من الأخذ ، فيراد بها أخذ فرعون وقومه بالغرق ، كما قال تعالى { فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر } القمر 42 ، وإذا أعيد ضمير الغائب إلى { فرعون ومن قبله والمؤتفكات } كان إفراد الأخذة كإفراد { رسول ربّهم } ، أي أخذنا كل أمة منهم أخذة . والرابية اسم فاعل من ربَا يَربو إذا زاد فلما صيغ منه وزن فاعلة ، قلبت الواو ياء لوقوعها متَحركة إثر كسرة . واستعير الرُّبُوّ هنا للشدة كما تستعار الكثرة للشدة في نحو قوله تعالى { وادعوا ثبوراً كثيراً } الفرقان 14 . والمراد بالأخذة الرابية إهلاك الاستئصال ، أي ليس في إهلاكهم إبقاء قليل منهم .