Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 127-128)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

جملة { قال الملأ } عطف على جملة { قال فرعون آمنتم به } الأعراف 123 أو على حملة { قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم } الأعراف 109 . وإنما عطفت ولم تفصل لأنها خارجة عن المحاورة التي بين فرعون ومن آمن من قومه بموسى وآياته ، لأن أولئك لم يعرجوا على ذكر ملأ فرعون ، بل هي محاورة بين ملإ فرعون وبينه في وقت غير وقت المحاورة التي جرت بين فرعون والسحرة ، فإنهم لمّا رأوا قلة اكتراث المؤمنين بوعيد فرعون ، ورأوا قلة اكتراث المؤمنين بوعيد فرعون ، ورأوا نهوض حجتهم على فرعون وإفحامَه . وأنه لم يَحرْ جَوَاباً . راموا إيقاظ ذهنه ، وإسعارَ حميته ، فجاءوا بهذا الكلام المثير لغضب فرعون ، ولعلهم رأوا منه تأثراً بمعجزة موسى وموعظة الذين آمنوا من قومه وتوقعوا عدوله عن تحقيق وعيده ، فهذه الجملة معترضة بين ما قبلها وبين جملة { قال موسى لقومه استعينوا بالله } . والاستفهام في قوله { أتذر موسى } مستعمل في الإغراء بإهلاك موسى وقومه والإنكار على الإبطاء بإتلافهم ، وموسى مفعول { تذر } أي تتركه متصرفاً ولا تأخذ على يده . والكلام على فعل { تذر } تقدم في قوله { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً } في الأنعام 70 . وقوم موسى هم من آمن به ، وأولئك هم بنوا إسرائيل كلهم ومَن آمن من القبط . واللام في قوله { ليفسدوا } لام التعليل وهو مبالغة في الإنكار إذ جعلوا ترك موسى وقومه معللاً بالفساد ، وهذه اللام تسمى لام العاقبة ، وليست العاقبة معنى من معاني اللام حقيقة ولكنها مجاز شُبه الحاصل عقب الفعل لا محالة بالغرض الذي يفعل الفعل لتحصيله ، واستعير لذلك المعنى حرفُ اللام عوَضاً عن فاء التعقيب كما في قوله تعالى { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } القصص 8 . والإفساد عندهم هو إبطال أصول ديانتهم وما ينشأ عن ذلك من تفريق الجماعة وحث بني إسرائيل على الحرية ، ومغادرة أرض الاستعباد . و { الأرض } مملكة فرعون وهي قطر مصر . وقوله { ويذَرَك } عطف على { ليفسدوا } فهو داخلي التعليل المجازي ، لأنّ هذا حاصل في بقائهم دون شك ، ومعنى تركهم فرعون ، تركهم تأليهه وتعظيمه ، ومعنى ترك آلهته نبذُهم عبادتَها ونهيُهم الناس عن عبادتها . والآلهة جمع إلٰه ، ووزنه أفعلة ، وكان القبط مشركين يعبدون آلهة متنوعة من الكواكب والعناصر وصوروا لها صوراً عديدة مختلفة باختلاف العصور والأقطار ، أشهرها فتاح وهو أعظمها عندهم وكان يُعبد بمدينة مَنْفيس ، ومنها رع وهو الشمس وتتفرع عنه آلهة باعتبار أوقات شعاع الشمس ، ومنها ازيريس وإزيس وهوروس وهذا عندهم ثالوث مجموع من أب وأم وابن ، ومنها توت وهو القمر وكان عندهم رب الحكمة ، ومنها أمُون رع فهذه الأصنام المشهورة عندهم وهي أصل إضلال عقولهم . وكانت لهم أصنام فرعية صغرى عديدة مثل العجل إيبيس ومثل الجعران وهو الجُعل . وكان أعظم هذه الأصنام هو الذي ينتسب فرعونُ إلى بُنوتهِ وخدمته ، وكان فرعون معدوداً ابنَ الآلهة وقد حلت فيه الإلهية على نحو عقيدة الحلول ، ففرعون هو المنفذ للدين ، وكان يعد إلٰه مصر ، وكانت طاعته طاعة للآلهة كما حكى الله تعالى عنه { فقال أنا ربكم الأعلى } النازعات 24 { ما علمْتُ لكم من إلٰه غيري } القصص 38 . وتوعُد فرعون موسى وقومه بالاستئصال بقتل الأبناء والمراد الرجال بقرينة مقابلته بالنساء ، والضمير المضاف إليه عائد على موسى وقومه ، فالإضافة على معنى من التبعيضية . وقرأ نافع وابن كثير ، وأبو جعفر { سنقتل } ـــ بفتح النون وسكون القاف وضم التاء ـــ وقرأه البقية بضم النون وفتح القاف وتشديد التاء للمبالغة في القتل مبالغة كثرة واستيعاب . والاستحياء مبالغة في الإحياء ، فالسين والتاء فيه للمبالغة ، وإخباره ملأه باستحياء النساء تتميم لا أثر له في إجابة مقترح ملئه ، لأنهم اقترحوا عليه أن لا يُبقي موسى وقومه فأجابهم بما عزم عليه في هذا الشأن ، والغرض من استبقاء النساء أن يتخذوهن سراري وخدماً . وجملة { وإنّا فوقهم قاهرون } اعتذار من فرعون للملإ من قومه عن إبطائه باستئصال موسى وقومه ، أي هم لا يقدرون أن يفسدوا في البلاد ولا أن يخرجوا عن طاعتي والقاهر الغالب بإذلال . و { فوقهم } مستعمل مجازاً في التمكن من الشيء وكلمة { فوقهم } مستعارة لاستطاعة قهرهم لأن الاعتلاء على الشيء أقوى أحوال التمكن من قهره ، فهي تمثيلية . وجملة { قال موسى لقومه } واقعة جواباً لقول قومه { إنا إلى ربنا منقلبون } الأعراف 125 إلى آخرها الذي أجابوا به عن وعيد فرعون ، فكان موسى معدوداً في المحاورة ، ولذلك نزل كلامه الذي خاطب به قومه منزلة جواب منه لفرعون ، لأنه في قوة التصريح بقلة الاكتراث بالوعيد ، وبدفع ذلك بالتوكل على الله . والتوكل هو جُماع قوله { استعينوا بالله واصبروا } وقد عبر عن ذلك بلفظ التوكل في قوله { وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } في سورة يونس 84 ، فإن حقيقة التوكل أنه طلب نصر الله وتأييده في الأمر الذي يُرغب حصوله ، وذلك داخل في الاستعانة وهو يستلزم الصبر على الضر لاعتقاد أنه زائل بإذن الله . وخاطب موسى قومه بذلك تطميناً لقلوبهم ، وتعليماً لهم بنصر الله إياهم لأنه علم لأنه بوحي الله إليه . وجملة { إن الأرض لله } تذييل وتعليل للأمر بالاستعانة بالله والصبر ، أي افعلوا ذلك لأن حكم الظلم لا يدوم ، ولأجل هذا المعنى فصلت الجملة . وقوله { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده } كناية عن ترقب زوال استعباد فرعون إياهم ، قصد منها صرف اليأس عن أنفسهم الناشىء عن مشاهدة قوة فرعون وسلطانه ، بأن الله الذي خوله ذلك السلطان قادر على نزعه منه لأن ملك الأرض كلها لله فهو الذي يقدر لمن يشاء ملك شيء منها وهو الذي يقدر نزعه . فالمراد من الأرض هنا الدنيا لأنه أليق بالتذييل وأقوى في التعليل ، فهذا إيماء إلى أنهم خارجون من مصر وسيملكون أرضاً أخرى . وجملة { والعاقبة للمتقين } تذييل ، فيجوز أن تكون الواو اعتراضية ، أي عاطفة على ما في قوله { إن الأرض لله } من معنى التعليل ، فيكون هذا تعليلاً ثانياً للأمر بالاستعانة والصبر ، وبهذا الاعتبار أوثر العطف بالواو على فصل الجملة مع أن مقتضى التذييل أن تكون مفصولة . والعاقبة حقيقتها نهاية أمر من الأمور وآخره ، كقوله تعالى { فكان عاقبتهما أنهما في النار } الحشر 17 ، وقد تقدم ذكرها عند قوله تعالى { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } في أول سورة الأنعام 11 ، فإذا عُرفَت العاقبة باللام كان المراد منها انتهاء أمر الشيء بأحسن من أوله ولعل التعريف فيها من قبيل العلم بالغلبة . وذلك لأن كل أحد يود أن يكون آخرُ أحواله خيراً من أولها لكراهة مفارقة الملائم ، أو للرغبة في زوال المنافر ، فلذلك أطلقت العاقبة معرَفة على انتهاء الحال بما يسر ويلائم ، كما قال تعالى { والعاقبة للتقوى } طه 132 . وفي حديث أبي سفيان قول هرقل « وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة » فلا تطلق المعرفة على عاقبة السوء . فالمراد بالعاقبة هنا عاقبة أمورهم في الحياة الدنيا ليناسب قوله { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده } وتشمل عاقبة الخير في الآخرة لأنها أهم ما يلاحظه المؤمنون . والمتقون المؤمنون العاملون . وجيء في جملتي { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين } بلفظين عامين ، وهما من يشاء من عباده والمتقين ، لتكون الجملتان تذييلاً للكلام وليحرص السامعون على أن يكونوا من المتقين . وقد علم من قوله { والعاقبة للمتقين } أن من يشاء الله أن يورثهم الأرض هم المتقون إذا كان في الناس متقون وغيرهم ، وأن تمليك الأرض لغيرهم إمّا عارض وإمّا لاستواء أهل الأرض في عدم التقوى .