Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 129-129)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قالوا } حكاية جواب قوم موسى إياه ، فلذلك فصلت جملة القول على طريقة المحاورة ، وهذا الخبر مستعمل في الشكاية واستئثارتهم موسى ليدعو ربه أن يفرج كربهم . والإيذاء الإصابة بالأذى ، والأذى ما يؤلم ويحزن من قول أو فعل ، وقد تقدم عند قوله تعالى { لن يضروكم إلاّ أذى } في سورة آل عمران 111 ، وقوله { فصَبروا على ما كُذبوا وأوذوا } في سورة الأنعام 34 ، وهو يكون ضعيفاً وقوياً ، ومرادهم هنا القوي منه ، وهو ما لحقهم من الاستعباد وتكليفهم الأعمال الشاقة عليهم في خدمة فرعون وما توعدهم به فرعون بعد بعثة موسى من القطع والصلب وقتل الأبناء ، وكأنهم أرادوا التعريض بنفاد صبرهم وأن الأذى الذي مسهم بعد بعثة موسى لم يكن بداية الأذى ، بل جاء بعد طول مدة في الأذى ، فلذلك جمعوا في كلامهم ما لحقهم قبل بعثة موسى . وقد توهم بعض المفسرين أن هذا امتعاض منهم مما لحقهم بسبب موسى وبواسطته مستنداً إلى أن قتل الذكور منهم كان قبل مجيء موسى بسبب توقع ولادة موسى ، وكان الوعيد بمثله بعد مجيئه بسبب دعوته ، وليس ذلك بمتجه لأنه لو كان هو المراد لما كان للتعبير بقوله { من قبل أن تأتينا } موقع ، والإتيان والمجيء مترادفان ، فذكر المجيء بعد الإتيان ليس لاختلاف المعنى ، ولكنه للتفنن وكراهية إعادة اللفظ . والإتيان والمجيء مدلولهما واحد ، وهو بعثة موسى بالرسالة ، فجعل الفعل المعبّر عنه حين عُلق به قبل بصيغة المضارع المقترن بــــ أن الدالة على الاستقبال والمصدرية لمناسبة لفظ قبل لأن ما يضاف إلى قبل مستقبل بالنسبة لمدلولها ، وجُعل حين علق به بعد بصيغة الماضي المقترن بحرف مّا المصدرية لأن ما المصدرية لا تفيد الاستقبال ليناسب لفظ بعد لأن مضاف كلمة بعد ماض بالنسبة لمدلولها . فأجابهم موسى بتقريب أن يكونوا هم الذين يرثون مُلك الأرض والذين تكون لهم العاقبة . وجاء بفعل الرجاء دون الجزم تأدباً مع الله تعالى ، وإقصاء للاتكال على أعمالهم ليزدادوا من التقوى والتعرض إلى رضى الله تعالى ونصره . فقوله { عسى ربكم أن يهلك عدوكم } ناظر إلى قوله { إن الأرض لله } الأعراف 128 وقوله { ويَسْتخلفَكم في الأرض } ناظر إلى قوله { والعاقبة للمتقين } الأعراف 128 . والمراد بالعدو ، فرعون وحزبه ، فوصفُ عدو يوصف به الجمع قال تعالى { هم العدو } المنافقون 4 . والمراد بالاستخلاف الاستخلاف عن الله في مُلك الأرض . والاستخلاف إقامة الخليفة ، فالسين والتاء لتأكيد الفعل مثل استجاب له ، أي جعلهم أحراراً غالبين ومؤسسين ملكاً في الأرض المقدسة . ومعنى { فينظر كيف تعملون } التحذير من أن يعملوا ما لا يرضي الله تعالى ، والتحريض على الاستكثار من الطاعة ليستحقوا وصف المتقين ، تذكيراً لهم بأنه عليم بما يعملونه . فالنظر مستعمل في العلم بالمرئيات ، والمقصود بما { تعملون } عملهم مع الناس في سياسة ما استخلفوا فيه ، وهو كله من الأمور التي تشاهد إذ لا دخل للنيات والضمائر في السياسة وتدبير الممالك ، إلاّ بمقدار ما تدفع إليه النيات الصالحة من الأعمال المناسبة لها ، فإذا صدرت الأعمال صالحة كما يرضي الله ، وما أوصى به ، حصل المقصود ، ولا يضرها ما تكنه نفس العامل . وكيف يجوز كونها استفهاماً فهي معلّقة لفعل ينظرُ عن المفعول ، فالتقدير فينظر جواب السؤال بــــ { كيف تعملون } ، ويجوز كونها مجردة عن معنى الاستفهام دالة على مجرد الكيفية ، فهي مفعول به لــــ { ينظرَ } كما تقدم في قوله تعالى { هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } في سورة آل عمران 6 ، وقوله تعالى { انظْر كيف نبين لهم الآيات } في سورة المائدة 75 وقد تقدم .