Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 130-131)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا انتقال إلى ذكر المصائب التي أصاب الله بها فرعون وقومه ، وجعلها آيات لموسى ، ليلجىء فرعون إلى الإذن لبني إسرائيل بالخروج ، وقد وقعت تلك الآيات بعد المعجزة الكبرى التي أظهرها الله لموسى في مجمع السحرة ، ويظهر أن فرعون أغضى عن تحقيق وعيده إبقاء على بني إسرائيل ، لأنهم كانوا يقومون بالأشغال العظيمة لفرعون . ويُؤخذ من التوراة أن موسى بقي في قومه مدة يعيد محاولة فرعون أن يطلق بني إسرائيل ، وفرعون يَعد ويُخلف ، ولم تضبط التوراة مدة مقام موسى كذلك ، وظاهرها أن المدة لم تطُل ، وليس قوله تعالى { بالسنين } دليلاً على أنها طالت أعواماً لأن السنين هنا جمع سنة بمعنى الجدْب لا بمعنى الزمن المقدر من الدهر . فالسنة في كلام العرب إذا عرفت باللام يراد بها سنة الجدب ، والقحط ، وهي حينئذٍ علم جنس بالغلبة ، ومن ثَم اشتقوا منها أسْنَت القومُ ، إذا أصابهم الجدب والقحط ، فالسنين في الآية مراد بها القحوط وجمعها باعتبار كثرة مواقعها أي أصابهم القحط في جميع الأرضين والبلدان ، فالمعنى ولقد أخذناهم بالقحوط العامة في كل أرض . والأخْذُ هنا مجاز في القهر والغلبة ، كقوله { لا تأخذه سنة ولا نوم } البقرة 255 . ويصح أن يكون هنا مجازاً في الإصابة بالشدائد ، لأن حقيقة الأخذ تناول الشيء باليد ، وتعددت إطلاقاته ، فأطلق كناية عن الملك . وأطلق استعارة للقهر والغلبة ، وللإهلاك . وقد تقدمت معانيه متفرقة في السور الماضية . وجملة { لعلهم يذكرون } في موضع التعليل لجملة { ولقد أخذنا } فلذلك فصلت . ونقص الثمرات قلة إنتاجها قلة غير معتادة لهم . فتنوين { نقص } للتكثير ولذلك نكر نقص ولم يضف إلى الثمرات لئلا تفوت الدلالة على الكثرة . فالسنون تنتاب المزارع والحقول ، ونقص الثمرات ينتاب الجنات . ولعل للرجاء ، أي مرجوا تذكرهم ، لأن المصائب والأضرار المقارنة لتذكير موسى إياهم بربهم ، وتسريح عبيده ، من شأنها أن يكون أصحابها مرجواً منهم أن يتذكروا بأن ذلك عقاب على إعراضهم وعلى عدم تذكرهم ، لأن الله نصب العلامات للاهتداء إلى الخفيات كما قدمناه عند قوله تعالى { وما أرسلنا في قرية من نبي } في هذه السورة 94 ، فشأن أهل الألباب أن يتذكروا ، فإذا لم يتذكروا ، فقد خيبوا ظن من يظن بهم ذلك مثل موسى وهارون ، أما الله تعالى فهو يعلم أنهم لا يتذكرون ولكنه أراد الإملاء لهم ، وقطع عذرهم ، وذلك لا ينافي ما يدل عليه لعل من الرجاء لأن دلالتها على الراجي والمرجو منه دلالة عرفية ، وقد تقدم الكلام على وقوع لعل في كلام الله تعالى عند قوله تعالى { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } في سورة البقرة 21 . وفي هذه الآية تنبيه للأمة للنظر فيما يحيط بها من دلائل غضب الله فإن سلب النعمة للمنعم عليهم تنبيه لهم على استحقاقهم إعراض الله تعالى عنهم . والفاء في قوله { فإذا جاءتهم الحسنة } لتفريع هذا الخبر على جملة { أخذنا آل فرعون بالسنين } أي فكان حالهم إذا جاءتهم الحسنة الخ … والمعنى فلم يتذكروا ولكنهم زادوا كفراً وغروراً . والمجيء الحصول والإصابة ، وإنما عبر في جانب الحسنة بالمجيء لأن حصولها مرغوب ، فهي بحيث تُترقب كما يُترقَب الجائي ، وعبر في جانب السيئة بالإصابة لأنها تحصل فجأة من غير رغبة ولا ترقب . وجيء في جانب الحسنة بإذا الشرطية لأن الغالب في إذا الدلالة على اليقين بوقوع الشرط أو ما يقرب من اليقين كقولك إذا طلعت الشمس فعلتُ كذا ، ولذلك غلب أن يكون فعل الشرط مع إذا فعلاً ماضياً لكون الماضي أقرب إلى اليقين في الحصول من المستقبل ، كما في الآية ، فالحسنات أي النعم كثيرة الحصول تنتابهم متوالية من صحة وخصب ورخاء ورفاهية . وجيء في جانب السيئة بحرف إنْ لأن الغالب أن تدل إنْ على التردد في وقوع الشرط ، أو على الشك ، ولكون الشيء النادر الحصول غير مجزوم بوقوعه ، ومشكوكاً فيه ، جيء في شرط إصابة السيئة بحرف إنْ لندرة وقوع السيئات أي المكروهات عليهم ، بالنسبة إلى الحسنات ، أي النعم ، وفي ذلك تعريض بأن نعم الله كانت متكاثرة لديهم وأنهم كانوا معرضين عن الشكر ، وتعريض بأن إصابتهم بالسيئات نادرة وهم يعدون السيئات من جراء موسى ومن آمن معه ، فهم في كلتا الحالتين بين كافرين بالنعمة وظالمين لموسى ومن معه ، ولهذين الاعتبارين عُرفت الحسنة تعريف الجنس المعروف في علم المعاني بالعهد الذهني ، أي جاءتهم الحسنات ، لأن هذا الجنس محبوب مألوف كثير الحصول لديهم ، ونكرت { سيئة } لندرة وقوعها عليهم ، ولأنها شيء غير مألوف حلوله بهم ، أي وإن تصبهم آية سيئة ، كذا في « الكشاف » و « المفتاح » . واعْلم أن التفرقة بين تعريف الجنس والتنكير من لطائف الاستعمال البَلاغي ، كما أشرنا إليه في قوله تعالى { الحمد لله } في سورة الفاتحة 2 ، وأما من جهة مُفاد اللفظ ، فالمعرف بلام الجنس والمنكرة سواء ، فلا تظن أن اللام للعهد لحسنة معهودة ووقوع المعرف بلام الجنس والنكرة في سياق الشرط ، في هذه الآية يعم كل حسنة وكل سيئة . والحسنة والسيئة هنا مراد بهما الحالة الحسنة والحالة السيئة . واللام في قوله { لنا } هذه لام الاستحقاق أي هذه الحسنة حق لنا ، لأنهم بغرورهم يحسبون أنهم أحرياء بالنعم ، أي فلا يرون تلك الحسنة فضلاً من الله ونعمة . { ويَطَيّرُوا } أصله يتَطيروا ، وهو تَفَعّلُ ، مشتق من اسم الطَيْرِ ، كأنهم صاغوه على وزن التفعّل لما فيه من تكلف معرفة حظ المرء بدلالة حركات الطير ، أو هو مطاوعة سمي بها ما يحصل من الانفعال من إثر طيران الطير . وكان العرب إذا خرجوا في سفر لحاجة ، نظروا إلى ما يلاقيهم أول سيرهم من طائر ، فكانوا يزعمون أن في مروره علامات يُمن وعلاماتتِ شُؤم ، فالذي في طيرانه علامة بُمننٍ في إصطلاحهم يسمونه السانح ، وهو الذي ينهض فيطير من جهة اليمين للسائر والذي علامته الشؤم هو البَارح وهو الذي يمر على اليسار ، وإذا وجد السائر طيراً جاثماً آثاره لينظر أي جهة يطير ، وتسمى تلك الإثارة زجراً ، فمن الطير ميمون ومنه مشؤوم والعرب يدْعُون للمسافر بقولهم « على الطائر الميمون » ، ثم غلب استعمال لفظ التطير في معنى التشاؤم خاصة ، يقال الطيرة أيضاً ، كما في الحديث " لا طيرة وإنما الطيرَة على من تطيّر " أي الشؤم يقع على من يتشاءم ، جعل الله ذلك عقوبة له في الدنيا لسوء ظنه بالله ، وإنما غلب لفظ الطيرة على التشاؤم لأن للأثر الحاصل من دلالة الطيران على الشؤم دلالة أشد على النفس ، لأن توقع الضر أدخل في النفوس من رجاء النفع . والمراد به في الآية أنهم يتشاءمون بموسى ومن معه فاستعمل التطير في التشاؤم بدون دلالة من الطير ، لأن قوم فرعون لم يكونوا ممن يزجر الطير فيما علمنا من أحوال تاريخهم ، ولكنهم زعموا أن دعوة موسى فيهم كانت سبب مصائب حلت بهم ، فعبر عن ذلك بالتطير على طريقة التعبير العربي . والتشاؤم هو عد الشيء مشؤوماً ، أي يكون وجوده . سبباً في وجود ما يُحزن ويضر ، فمعنى { يَطَّيّرُوا بموسى } يحسبون حلول ذلك بهم مسبباً عن وجود موسى ومن آمن به وذلك أن آل فرعون كانوا متعلقين بضلال دينهم ، وكانوا يحسبون أنهم إذا حافظوا على إتباعه كانوا في سعادة عيش ، فحسبوا وجود من يخالف دينهم بينهم سبباً في حلول المصائب والإضرار بهم فتشاءموا بهم ، ولم يعلموا أن سبب المصائب هو كفرهم وإعراضهم ، لأن حلول المصائب بهم يلزم أن يكون مسبباً عن أسباب فيهم لا في غيرهم . وهذا من العَماية في الضلالة فيبقون منصرفين عن معرفة الأسباب الحقيقية ، ولذلك كان التطير من شعار أهل الشرك لأنه مبني على نسبة المسببات لغير أسبابها ، وذلك من مخترعات الذين وضعوا لهم ديانة الشرك وأوهامها . في الحديث " الطيرة شرك " وتأويله أنها من بقايا دين الشرك ، ويقع بعد فعل التطير باء ، وهي باء السببية تدخل على موجب التطير ، وقد يقال أيضاً تطير من كذا . وعطفُ { ومن معه } ، أي من آمنوا به ، لأن قوم فرعون يعدون موجب شُؤم موسى هو ما جاء به من الدين لأنه لا يُرضي آلهتهم ودينهم ، ولولا دينُه لم يكن مشؤوماً كما قال ثمود { قد كنت فينا مرجوا قبل هذا } هود 62 . و { ألا } حرف استفتاح يفيد الاهتمام بالخبر الوارد بعده . تعليماً للأمة ، وتعريضاً بمشركي العرب . والطائر اسم للطير الذي يُثار ليتيمن به أو يتشاءَم ، واستعير هنا للسبب الحق لحلول المصائب بهم بعلاقة المشاكلة لقوله { يطيروا } فشبه السبب الحق ، وهو ما استحقوا به العذاب من غضب الله بالطائر . و { عند } مستعملة في التصرف مجازاً لأن الشيء المتصرف فيه كالمستقر في مكان ، أي سبب شؤمهم مقدر من الله ، وهذا كما وقع في الحديث " ولا طيْرَ إلا طَيْرُك " ، فعبر عما قدره الله للناس « بطير » مشاكلة لقوله « ولا طَيْر » ومن فسر الطائر بالحظ فقد أبعد عن السياق . والقصر المستفاد من { إنما } إضافي أي سوء حالهم عقابٌ من الله ، لا من عند موسى ومن معه ، فلا ينافي أن المؤمنين يعلمون أن سبب حلول المصائب بأهل الشرك المعاندين للرسل ، هو شركهم وتكذيبهم الرسل يعلمون ذلك بأخبار الرسل ، أو بصدق الفراسة وحسن الاستدلال ، كما قال أبو سفيان ليلة الفتح لما هداه الله « لقد علمتُ أن لو كان معه إلٰه آخر لَقد أغنَى عني شيئاً » . فأما المشركون وأضرابهم من أهل العقائد الضالة ، فيسندون صدور الضرر والنفع إلى أشياء تقارن حصول ضر ونفع ، فيتوهمون تلك المقارنة تسبباً ، ولذلك تراهم يتطلبون معرفة حصول الخير والشر من غير أسبابها ، ومن ذلك الاستقسام بالأزلام كما تقدم في سورة العقود . وجملة { ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون } معترضة ولذلك فصلت ، والاستدراك المستفاد من { لكّن } عما يوهمه الاهتمام بالخبر الذي قبله لقرنه بأداة الاستفتاح ، واشتماله على صيغة القصر من كون شأنه أن لا يجهله العقلاء ، فاستدرك بأن أكثر أولئك لا يعلمون . فالضمير في قوله { أكثرهم } عائد إلى الذين { قالوا لنا هذه } وإنما نفي العلم عن أكثرهم تنبيهاً على أن قليلاً منهم يعلمون خلاف ذلك ولكنهم يشايعون مقالة الأكثرين .