Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 3-3)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بيان لجملة { لتنذر به } الأعراف 2 بقرينة تذييلها بقوله قليلاً ما تذكرون . فالخطاب موجّه للمشركين ويندرج فيه المسلمون بالأولى ، فبعد أن نوّه الله بالكتاب المنزّل إلى الرّسول صلى الله عليه وسلم وبيّن أن حكمة إنزاله للإنذار والذّكرى ، أمر النّاس أن يتّبعوا ما أنزل إليهم ، كلٌ يتبع ما هو به أعلق ، والمشركون أنزل إليهم الزّجر عن الشّرك والاحتجاج على ضلالهم ، والمسلمون أنزل إليهم الأمر والنّهي والتّكليف ، فكلٌ مأمور باتّباع ما أنزل إليه ، والمقصود الأجْدَر هم المشركون تعريضاً بأنّهم كفروا بنعمة ربّهم ، فوصْفُ الرب هنا دون اسم الجلالة للتّذكير بوجوب اتّباع أمره ، لأنّ وصف الربوبيّة يقتضي الامتثال لأوامره ، ونهاهم عن اتّباع أوليائهم الذين جعلوهم آلهة دونه ، والموجه إليهم النّهي هم المشركون بقرينة قوله { قليلاً ما تذكرون } . والاتِّباع حقيقته المشي وراء ماششٍ ، فمعناه يقتضي ذاتين تابعاً ومتوبعاً ، يقال اتَّبع وتَبِع ، ويستعار للعمل بأمر الآمر نحو { ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعني أفعصيت أمري } طه 92 ، 93 وهو استعارة تمثيليّة مبنيّة على تشبيه حالتين ، ويستعار للاقتداء بسيرة أو قَوْل نحو { ولا تَتّبعوا خطوات الشيطان } البقرة 168 وهو استعارة مصرّحة تنبني على تشبيه المحسوس بالمعقول مثل قوله تعالى { إن أتَّبِع إلاّ مَا يُوحى إليّ } الأنعام 50 ، ومنه قوله هنا { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } . والمراد بما أنزل هو الكتاب المذكور بقوله { كتاب أنزل إليك } الأعراف 2 . وقوله { ولا تتبعوا من دونه أولياء } تصريح بما تضمّنه { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } لأنّ فيما أنزل إليهم من ربّهم أنّ الله إلهٌ واحد لا شريك له ، وأنّه الولي ، وأنّ الذين اتَّخذوا من دونه أولياء اللَّهُ حفيظ عليهم ، أي مجازيهم لا يخفى عليه فعلَهم ، وغيرَ ذلك من آي القرآن والمقصود من هذا النّهي تأكيد مقتضى الأمر باتّباع ما أنزل إليهم اهتماماً بهذا الجانب ممّا أنزل إليهم ، وتسجيلاً على المشركين ، وقطعاً لمعاذيرهم أن يقولوا إنّنا اتَّبعنا ما أنزل إلينا ، وما نرى أولياءنا إلاّ شفعاءَ لنا عند الله فما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا إلى الله زلفى ، فإنّهم كانوا يموهون بمثل ذلك ، ألا ترى أنّهم كانوا يقولون في تلبيتهم « لبّيك لا شريك لك إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك » فموقع قوله { اتبعوا ما أنزل إليكم } موقع الفَصل الجامع من الحد ، وموقع { ولا تتبعوا } موقع الفصل المانع في الحَدّ . والأولياء جمع ولي ، وهو المُوالي ، أي الملازم والمعاون ، فيطلق على النّاصر ، والحليف ، والصاحب الصّادق المودّة ، واستعير هنا للمعبود وللإله لأنّ العبادة أقوى أحوال الموالاة ، قال تعالى { أم اتّخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي } الشورى 9 وقد تقدّم عند قوله تعالى { قل أغير الله أتّخذ ولياً } في سورة الأنعام 14 ، وهذا هو المراد هنا . والاتّباع في قوله { ولا تتبعوا من دونه أولياء } يجوز أن يكون مستعملاً في المعنى الذي استعمل فيه الاتّباع في قوله { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } وذلك على تقدير لا تتّبعوا ما يأتيكم من أولياء دون الله ، فإن المشركين ينسبون ما هم عليه من الدّيانة الضّالة إلى الآلهة الباطلة ، أو إلى سدنة الآلهة وكُهّانها ، كما تقدّم عند قوله تعالى { وكذلك زَيّن لكثير من المشركين قتلَ أولادهم شركاؤهم } الأنعام 137 ، وقوله { فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا } كما في سورة الأنعام 136 ، وعلى تلك الاعتبارات يجري التّقدير في قوله { أولياء } أي لا تمتثلوا للأولياء أو أمرهم أو لدعاة الأولياء وسدنتهم . ويجوز أن يكون الاتّباع مستعاراً للطّلب والاتّخاذ ، أي ولا تتّخذوا أولياء غيره نحو قولهم هو يتّبع زلة فلان . وفي الحديث " يتّبع بها شَعَف الجبال ومواقعَ القطر " أي يتطلبها . ومِنْ في قوله { من دونه } ابتدائيّة ، ودون ظرف للمكان المجاوز المنفصل ، وقد جرّ بمن الجارة للظروف ، وهو استعارة للترك والإعراض . والمجرور في موضع الحال من فاعل { تتّبعوا } ، أي لا تتّبعوا أولياء متّخذينَها دونه ، فإنّ المشركين وإن كانوا قد اعترفوا لله بالإلهيّة واتبعوا أمره بزعمهم في كثير من أعمالهم كالحج ومناسكه ، والحَلِف باسمه ، فهم أيضاً اتّبعوا الأصنام بعبادتها أو نسبةِ الدّين إليها ، فكلّ عمل تقرّبوا به إلى الأصنام ، وكلّ عمل عملوه امتثالا لأمر ينسب إلى الأصنام ، فهم عند عمله يكونون متّبعين اتِّباعاً فيه اعراض عن الله وترك للتّقرب إليه ، فيكون اتّباعاً من دون الله ، فيدخل في النّهي ، وبهذا النّهي قد سُدت عليهم أبواب الشّرك وتأويلاته كقولهم { ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا إلى الله زلفى } الزمر 3 فقد جاء قوله { ولا تتبعوا من دونه أولياء } في أعلى درجة من الايجاز واستيعاب المقصود . وأفاد مجموع قوله { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء } مفاد صيغة قصر ، كأنّه قال لا تتّبعوا إلاّ ما أمر به ربّكم ، أي دون ما يأمركم به أولياؤكم ، فعُدل عن طريق القصر لتكون جملة { ولا تتبعوا من دونه أولياء } مستقلّة صريحة الدّلالة اهتماماً بمضمونها على نحو قول السَّمَوْأل أوْ الحَارثي @ تَسيِلُ على حد الظُّبات نفوسنا وليست على غير الظبَات تسيل @@ وجملة { قليلاً ما تذكرون } هي في موضع الحال من { لا تَتَّبعوا } ، وهي حال سببيّة وكاشفة لصاحبها ، وليست مقيِّدَة للنّهي لظهور أنّ المتّبعين أولياءَ من دون الله ليسوا إلاّ قليلي التذكر . ويجوز جعل الجملة اعتراضاً تذييلياً . ولفظ قليلاً يجوز أن يحمل على حقيقته لأنّهم قد يتذكّرون ثمّ يعرضون عن التّذكّر في أكثر أحوالهم فهم في غفلة معرضون ، ويجوز أن يكون قليلاً مستعاراً لمعنى النّفي والعدم على وجه التّلميح كقوله تعالى { فقليلاً ما يؤمنون } البقرة 88 فإنّ الإيمان لا يوصف بالقلّة والكثرة . والتّذكّر مصدر الذّكر ــــ بضمّ الذال ــــ وهو حضور الصورة في الذّهن . وقليل مستعمل في العدم على طريقة التّهكّم بالمضيع للأمر النّافع يقال له إنّك قليل الإتيان بالأمر النّافع ، تنبيهاً له على خطئه ، وإنّه إن كان في ذلك تفريط فلا ينبغي أن يتجاوز حدّ التّقليل دون التّضييع له كلّه . وما مصدريّة والتّقدير قليلاً تَذَكُّركم ، ويجوز أن يكون { قليلاً } صفة مصدر محذوف دلّ عليه { تذكرون } وما مزيدة لتوكيد القلّة ، أي نوع قلّة ضعيف ، نحو قوله تعالى { أنْ يضرِبَ مثلا مَّا } البقرة 26 . وتقدّم القول في نظيره عند قوله تعالى { فقليلاً ما يؤمنون } في سورة البقرة 88 . والمعنى لو تذكّرتم لما اتّبعتم من دونه أولياء ولما احتجتم إلى النّهي عن أن تتّبعوا من دونه أولياء ، وهذا نداء على إضاعتهم النّظر والاستدلال في صفات الله وفي نقائص أوليائهم المزعومين . وقرأ الجمهور { ما تذّكرون } ــــ بفوقية واحدة وتشديد الذال ــــ على أنّ أصله تَتَذكّرون بتاءين فوقيتين فقلبت ثانيتُهما ذالاً لتقارب مخرجيهما ليتأتى تخفيفه بالإدغام . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وخلف ــــ بتخفيف الذال ــــ على حذف إحدى التاءين اختصاراً . وقرأه ابن عامر { يتذكّرون } ــــ بتحتيّة في أوّله ثمّ فوقيّة ــــ ، والضّمير عائد إلى المشركين على طريقة الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، أعرض عنهم ووجَّه الكلام على غيرهم من السّامعين إلى النّبيء صلى الله عليه وسلم والمسلمين .