Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 79, Ayat: 10-11)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

استئناف إمَّا ابتدائيّ بعد جملة القَسَم وجوابه ، لإفادة أن هؤلاء هم الذين سيكونون أصحاب القلوب الواجفة والأبصار الخاشعة يوم ترجف الراجفة . وإما استئناف بياني لأن القَسَم وما بعده من الوعيد يثير سؤالاً في نفس السامع عن الداعي لهذا القسم فأجيب بــــ { يقولون أئنا لمرددون في الحافرة } ، أي منكرون البعث ، ولذلك سلك في حكاية هذا القول أسلوب الغيبة شأنَ المتحدِّث عن غير حاضر . وضمير { يقولون } عائد إلى معلوم من السياق وهم الذين شُهروا بهذه المقالة ولا يخفون على المطلع على أحوالهم ومخاطباتهم وهم المشركون في تكذيبهم بالبعث . والمُساق إليه الكلام كل من يتأتى منه سماعه من المسلمين وغيرهم . ويجوز أن يكون الكلام مسوقاً إلى منكري البعث على طريقة الالتفاف . وحُكي مقالهم بصيغة المضارع لإِفادة أنهم مستمرون عليه وأنه متجدد فيهم لا يرعوون عنه . وللإِشعار بما في المضارع من استحضار حالتهم بتكرير هذا القول ليكون ذلك كناية عن التعجيب من قولهم هذا كقوله تعالى { فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط } هود 74 . وقد علم السامع أنهم ما كرروا هذا القول إلا وقد قالوه فيما مضى . وهذه المقالة صادرة منهم وهم في الدنيا فليس ضمير { يقولون } بعائد إلى { قلوب } من قوله تعالى { قلوب يومئذ واجفة } النازعات 8 . وكانت عادتهم أن يلقوا الكلام الذي ينكرون فيه البعث بأسلوب الاستفهام إظهاراً لأنفسهم في مظهر المتردد السائل لقصد التهكم والتعجب من الأمر المستفهم عنه . والمقصود التكذيب لزعمهم أن حجة استحالة البعث ناهضة . وجُعل الاستفهام التعجيبي داخلاً على جملة اسمية مؤكدة بــــ إنَّ وبلام الابتداء وتلك ثلاثة مؤكدات مقوية للخبر لإِفادة أنهم أتوا بما يُفيد التعجب من الخبر ومن شدة يقين المسلمين به ، فهم يتعجبون من تصديق هذا الخبر فضلاً عن تحقيقه والإِيقان به . والمَردُود الشيء المرجَّع إلى صاحبه بعد الانتفاع به مثل العارية ورَدِّ ثمن المبيع عند التفاسخ أو التقابل ، أي لَمُرْجَعون إلى الحياة ، أي إنا لمبعوثون من قبورنا . والمراد بــــ { الحافرة } الحالة القديمة ، يعني الحياة . وإطلاقات { الحافرة } كثيرة في كلام العرب لا تتميز الحقيقة منها عن المجاز ، والأظهر ما في « الكشاف » يقال رجَع فلان إلى حافرته ، أي في طريقه التي جاء فيها فحَفَرها ، أي أثّر فيها بمشْيه فيها جعل أثر قدميه حفراً أي لأن قدميه جعلتا فيها أثراً مثل الحفر ، وأشار إلى أن وصف الطريق بأنها حافرة على معنى ذات حفر ، وجُوز أن يكون على المجاز العقلي كقولهم عيشة راضية ، أي راض عائشُها ، ويقولون رجع إلى الحافرة ، تمثيلاً لمن كان في حالة ففارقها ، ثم رجع إليها فصار رَجَعَ في الحافرة ، ورُدّ إلى الحافرة ، جارياً مجرى المثل . ومنه قول الشاعر وهو عمران بن حطّان حسبما ظن ابن السيِّد البطليوسي في شرح « أدب الكتاب » @ أحافرةً على صَلَع وشَيْب مَعَاذ اللَّهِ مِن سَفَهٍ وعار @@ ومن الأمثال قولهم « النقد عند الحافرة » ، أي إعطاء سبق الرهان للسابق عند وصوله إلى الأمد المعين للرّهان . يريد أرجوعا إلى الحافرة . وظرف إذا في قوله { إذا كنّا عظاماً نخرة } هو مناط التعجب وادعاءٌ الاستحالة ، أي إذا صرنا عظاماً بالية فكيف نرجع أحياء . و { إذا } متعلق بـــ { مردودون } . و { نخِرَة } صفة مشتقة من قولهم نَخِر العَظْم ، إذا بَلِي فصار فارغ الوسط كالقصبة . وتأنيث { نخِرَة } لأن موصوفه جمع تكسير ، فوصفه يجري على التأنيث في الاستعمال . هي همزة إذا . وقرأ بقية العشرة { أإذا } بهمزتين إحداهما مفتوحة همزة الاستفهام والثانية مكسورة هي همزة إذا . وهذا الاستفهام إنكاري مؤكد للاستفهام الأول للدلالة على أن هذه الحالة جديرة بزيادة إنكار الإِرجاع إلى الحياة بعد الموت ، فهما إنكاران لإِظهار شدة إحالته . وقرأ الجمهور { نخرة } بدون ألف بعد النون . وقرأه حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ورويس عن يعقوب وخلف { ناخرة } بالألف .