Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 88, Ayat: 8-10)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يتبادر في بادىء الرأي أن حق هذه الجملة أن تعطف على جملة { وجوه يومئذٍ خاشعة } الغاشية 2 بالواو لأنها مشاركة لها في حكم البيان لحديث الغاشية كما عطفت جملة { ووجوه يومئذ عليها غبرة } عبس 40 على جملة { وجوه يومئذ مسفرة } في سورة عبس 38 . فيتجهُ أن يُسأل عن وجه فصلها عن التي قبلها ، ووجه الفصل التنبيه على أن المقصود من الاستفهام في { هل أتاك حديث الغاشية } الغاشية 1 الإِعلام بحال المعرَّض بتهديدهم وهم أصحاب الوجوه الخاشعة فلما حصل ذلك الإِعلام بجملة { وجوهٌ يومئذٍ خاشعة } الغاشية 2 إلى آخرها تم المقصود ، فجاءت الجملة بعدها مفصولة لأنها جعلت استئنافاً بيانياً جواباً عن سؤال مقدر تثيره الجملة السابقة فيتساءل السامع هل من حديث الغاشية ما هو مغاير لهذا الهول ؟ أي ما هو أنس ونعيم لقوم آخرين . ولهذا النظم صارت هذه الجملة بمنزلة الاستطراد والتتميم ، لإظهار الفرق بين حالي الفريقين ولتعقيب النذارة بالبشارة فموقع هذه الجملة المستأنفة موقع الاعتراض ولا تنافي بين الاستئناف والاعتراض وذلك موجب لفصلها عما قبلها . وفيه جري القرآن على سننه من تعقيب الترهيب والترغيب . فأما الجملتان اللتان في سورة عبس فلم يتقدمهما إبهام لأنهما متصلتان معاً بالظرف وهو { فإذا جاءت الصاخة } عبس 33 . وقد علم من سياق توجيه الخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الوجوه الأولى وجوه المكذبين بالرسول ، والوجوه المذكورة بعدها وجوه المؤمنين المصدقين بما جاء به . والقول في تنكير { وجوه } ، والمراد بها ، والإِخبار عنها بما بعدها ، كالقول في الآيات التي سبقتها . و { ناعمة } خبر عن { وجوه } . يجوز أن يكون مشتقاً من نُعم بضم العين ينعُمُ بضمها الذي مصدره نعومة وهي اللين وبهجة المرأى وحسن المنظر . ويجوز أن يكون مشتقاً من نَعِم بكسر العين ينعَم مثل حَذِرَ ، إذا كان ذا نعمة ، أي حسن العيش والترف . ويتعلق { لسعيها } بقوله { راضية } ، و { راضية } خبر ثانٍ عن { وجوه } . والمراد بالسعي العمل الذي يسعاه المرء ليستفيد منه . وعبّر به هنا مقابل قوله في ضده { عاملة } الغاشية 3 . والرضى ضد السخط ، أي هي حامدة ما سعته في الدنيا من العمل الذي هو امتثال ما أمر الله به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم . والمجرور في قوله { في جنة عالية } خبر ثالث عن { وجوه } . والجنة أريد به مجموع دار الثواب الصادقُ بجنات كثيرة أو أريد به الجنس مثل { علمت نفس } التكوير 14 . ووصف { جنة } بــــ { عالية } لزيادة الحسن لأن أحسن الجنات ما كان في المرتفعات ، قال تعالى { كمثل جنة بربوة } البقرة 265 فذلك يزيد حسن باطنها بحسن ما يشاهده الكائنُ فيها من مناظر ، وهذا وصف شامل لحسن موقع الجنة .