Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 12-12)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لمّا استوفى البيان لأصناف المشركين الذين أمر الله بالبراءة من عهدهم بقوله { أن الله بريء من المشركين } التوبة 3 إلى قوله { وبشر الذين كفروا بعذاب أليم } التوبة 3 وإنّما كان ذلك لإبطانهم الغدر ، والذين أمر بإتمام عهدهم إلى مدّتهم ما استقاموا على العهد بقوله { إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم } التوبة 4 الآيات ، والذين يستجيبون عَطَف على أولئك بيان الذين يعلنون بنكث العهد ، ويعلنون بما يسخطُ المسلمين من قولهم ، وهذا حال مضادّ لحال قوله { وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم } التوبة 8 . والنكث تقدّم عند قوله تعالى { فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون } في الأعراف 135 . وعبَر عن نقض العهد بنكث الأيمان تشنيعاً للنكث ، لأنّ العهد كان يقارنه اليمين على الوفاء ولذلك سمّي العهد حلفا . وزيد قوله { من بعد عهدهم } زيادة في تسجيل شناعة نكثهم بتذكير أنّه غدْر لعهد ، وحنث باليمين . والطعن حقيقته خرق الجسم بشيء محددٍ كالرمح ، ويستعمل مجازاً بمعنى الثلب . والنسبة إلى النقص ، بتشبيه عِرض المرء ، الذي كان ملتئما غير منقوص ، بالجسد السليم . فإذا أظهرت نقائصه بالثلب والشتم شُبّه بالجِلد الذي أفسِد التحامُه . والأمر ، هنا للوجوب ، وهي حالة من أحوال الإذن المتقدّم في قوله تعالى { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } التوبة 5 ففي هذه الحالة يجب قتالهم ذبّاً عن حرمة الدين ، وقمعا لشرّهم من قبل أن يتمرّدوا عليه . و { أئِمّة } جمع إمام ، وهو ما يجعل قدوة في عمل يُعمل على مثاله ، أو على مثال عمله ، قال تعالى { ونجعلهم أئمة } القصص 5 أي مقتدى بهم ، وقال لبيد @ ولكلّ قوم سنة وإمامها @@ والإمام المثال الذي يصنع على شكله ، أو قدره ، مصنوع ، فأئمّة الكفر ، هنا الذين بلغوا الغاية فيه ، بحيث صاروا قدوة لأهل الكفر . والمراد بأئِمّة الكفر المشركون الذين نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ، فوضع هذا الاسم موضع الضمير حين لم يُقل فقاتلوهم ، لزيادة التشنيع عليهم ببلوغهم هذه المنزلة من الكفر ، وهي أنّهم قدوة لغيرهم ، لأنّ الذين أضمروا النكث يبقون متردّدين بإظهاره ، فإذا ابتدأ بعضهم بإظهار النقض اقتدى بهم الباقون ، فكان الناقضون أئِمّة للباقين . وجملة { إنهم لا أيمان لهم } تعليل لقتالهم بأنّهم استحقّوه لأجل استخفافهم بالأيمان التي حلفوها على السلم ، فغدروا ، وفيه بيان للمسلمين كيلا يشرعوا في قتالهم غير مطّلعين على حكمة الأمر به ، فيكون قتالهم لمجرّد الامتثال لأمر الله ، فلا يكونُ لهم من الغيظ على المشركين ما يشحّذ شدّتهم عليهم . ونفي الأيمان لَهم نفي للماهية الحقّ لليمين ، وهي قصد تعظيمه والوفاء به ، فلمّا لم يوفوا بأيمانهم ، نزلت أيمانهم منزلة العدم لفقدان أخصّ أخواصّها وهو العمل بما اقتضته . وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، ورويس عن يعقوب . { أيّمة } بتسهيل الهمزة الثانية بين الهمزة والياء . وقرأ البقية بتحقيق الهمزتين . وقرأ هشام عن عامر ، وأبو جعفر بمَدّ بين الهمزتين . وقرأ الجمهور { لا أيمان لهم } بفتح همزة { أيمان } على أنّه جمع يمين . وقرأه ابن عامر ــــ بكسر الهمزة ــــ ، أي ليسوا بمؤمنين ، ومن لا إيمان له لا عهد له لانتفاء الوازع . وعطف { وطعنوا في دينكم } عطف قسيم على قسيمه ، فالواو فيه بمعنى أو . فإنّه إذا حصل أحد هذين الفعلين الذين هما نكث الأيمان ، والطعن في الدين ، كان حصول أحدهما موجباً لقتالهم ، أي دون مصالحة ، ولا عهد ، ولا هُدنة بعد ذلك . وذكر طعنهم في دين المسلمين ينبىء بأنّ ذلك الطعن كان من دأبهم في مدّة المعاهدة ، فأريد صدّهم عن العَود إليه . ولم أقف على أنّه كان مشروطاً على المشركين في عقود المصالحة والمعاهدة مع المسلمين أن لا يطعنوا في الإسلام ، في غير هذه الآية ، فكانَ هذا شرطاً عليهم من بعد ، لأنّ المسلمين أصبحوا في قوة . وقوله { فقاتلوا أئمة الكفر } أمر للوجوب . وجملة { لعلهم ينتهون } يجوز أن تكون تعليلاً للجملة { فقاتلوا أئمة الكفر } أي قتالهم لرجاء أن ينتهوا ، وظاهر أنّ القتال يُفني كثيراً منهم ، فالانتهاء المرجو انتهاء الباقين أحياء بعد أن تضع الحرب أوزارها . ولم يذكر متعلِّق فعل { ينتهون } ولا يحتمل أن يكون الانتهاء عن نكث العهد ، لأنّ عهدهم لا يقبل بعدَ أن نكثوا لقول الله تعالى { إنهم لا أيمان لهم } ، ولا أن يكون الانتهاء عن الطعن في الدين ، لأنّه إن كان طعنهم في ديننا حاصلاً في مدّة قتالهم فلا جدوى لرجاء انتهائهم عنه ، وإن كان بعدَ أن تضع الحرب أوزارها فإنّه لا يستقيم إذ لا غاية لتنهية القتل بين المسلمين وبينهم ، فتعيّن أنّ المراد لعلهم ينتهون عن الكفر . ويجوز أن تكون الجملة استئنافاً ابتدائياً لا اتّصال لها بجملة { وإن نكثوا أيمانهم } الآية ، بل ناشئة عن قوله { فإن تابوا وأقاموا الصلاة } التوبة 5 إلى قوله { أئمة الكفر } التوبة 12 . والمعنى المرجو أنّهم ينتهون عن الشرك ويسلمون ، وقد تحقّق ذلك فإنّ هذه الآية نزلت بعد فتح مكة ، وبعدَ يوم حُنين ، ولم يقع نكث بعد ذلك ، ودخل المشركون في الإسلام أفواجاً في سنة الوفود .